date palm trees

حتى في الصحراء، لا تزال الأشجار قوة علاجية طبيعية تشفي العديد من الأمراض

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا”.

 

بالجلوس تحت شجرة تفاح، اكتشف أحد العلماء قانون الجاذبية؛ وبالجلوس تحت شجرة بودهي الضخمة، وجد أحد الأمراء دليلًا للتنوير؛ وتحت أشجار النخيل المهيبة، جلست مجموعة مع رسولهم ليستمعوا إلى رسالته. على مدار عدة قرون، استطاعت شخصيات بارزة مثل إسحاق نيوتن وبوذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم العثور على المعنى والأجوبة على أسئلة الحياة الأعمق في الطبيعة، تحت شجرة خضراء بأغصان كثيفة.

 

توفرّ الأشجار والنباتات المحيطة بها إلهامًا ساحرًا وجمالًا طبيعيًا لأنها تساعدنا على التنفس، فضلًا عن دورها كمأوى وظل، ويُستخرج منها الأخشاب والوقود والغذاء والدواء. نحن لا نبالغ عندما نقول إن الحياة على الأرض تعتمد على الأشجار، وهذا هو أحد أسباب انتشار المخاوف من الحرائق التي لا تزال تجتاح الأمازون، فهو نظام بيئي يدعّم شتى جوانب الحياة بل ويعتمد عليه العالم كافة.

 

إن الأمازون عبارة عن حوض واسع لتخزين ثاني أكسيد الكربون، وعنصر رئيسيفي أي خطة ترمي إلى كبح جماح التغير المناخي. وعلى الرغم من أن هذه القضية مُسَيّسة بصورة ملحوظة في الوقت الحالي، غير أنه من المهم أن نتذكر أن أي زيادة في إزالة الغابات من شأنها أن تنجم عنها تسريع ظاهرة الاحتباس الحراري، إضافة إلى الإضرار بأحد أهم المآوى للتنوع البيولوجي. إلى جانب الحفاظ على سلامة الكوكب، وتساعدنا الأشجار على تحسّن الشعور لدينا، والتفكير دون تشويش، وحتى العيش لفترة أطول.

 

وفقًا  لدراسة أجريت عام 2015  في تورنتو، كندا، نُشرت في مجلة “نيتشر”، فإن وجود الأشجار بالقرب من بعضها يمكن أن يضيف حوالي 1.5 عامًا إلى حياة شخص ما. إذ قال أحد الباحثين، عالم النفس أوميد كاردان من جامعة شيكاغو “هناك أثر مستقل ملحوظ لأشجار الشوارع في الصحة”. وقد خلصت الدراسة إلى أن الأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي تتميز بالكثافة العالية من أشجار الشوارع لديهم “تصوّر أفضل للصحة وتقلّ لديهم حالات الأيض القلبي” مقارنة بأولئك الذين يعيشون في المناطق ذات الكثافة المنخفضة لأشجار الشوارع.

 

إن الأثر المهدئ للأشجار لا يستهان به، حيث تحتفظ بعض الدول، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، بغابات “الاستشفاء” أو “الاستحمام” الخاصة، بل وتعمل على توسعيها، وهي تشكًل جزءًا من مبادرات الحكومات لرفاهية المجتمع بوجه عام. بالإضافة إلى ذلك، هناك  خطة وطنية للغابات في كوريا الجنوبية والجمعية اليابانية لطب الغابات، تشجّع البحث عن الآثار العلاجية للغابات في صحة الإنسان وتثقيف الناس بأهمية الاستحمام في الغابات.

 

كشفت دراسة يابانية أجريت عام 2018 حول الآثار النفسية للمشي في الغابات، أن القيام بذلك حسّن الحالة المزاجية السيئة المتمثلة في “الاكتئاب” و “التوتر والأرق” و “الغضب والعداء” و “التعب والإعياء” و “الارتباك” كما عزّز المشاعر الإيجابية للمشاركين بـ “الحيوية” مقارنة بالمشي في المدن.

 

يمكن الاطلاع على مبادرات العلاج بالأشجار في كنداوأجزاء من أوروبا، مثل بلد الشمال بفنلندا.

 

تقول كاترينا كيلبي، الشريك المؤسس لبرنامج IFTDays “أيام من العلاج في الغابات الدولية”“قيل إن سرّ حياتنا يكمن في الطبيعة المحيطة بنا حرفيًا”… “وعند الخضوع إلى علاج نفسي، يؤثِر البعض التوجه إلى الغابات مباشرة ودون تفكير”.

 

تم إطلاق برنامج IFTDaysفي عام 2018، عندما انضم اثنان من رواد الأعمال للدفاع عن العلاقة الوثيقة بين الناس والغابات. ترتكز معرفة ” كاترينا كيلبي” وخبرتها كمستشارة في الطبيعة والصحة، بينما تعمل هايدي كورهونين كمدرب للتواصل مع الطبيعية، وقد أدت جهودهما إلى عقد جلسات مجتمعية للاستشفاء بالغابات مع زائرين من جميع أنحاء العالم.

 

تقول كاترينا “إن فنلندا هي أكثر الدول الأوروبية المليئة بالغابات؛ حيث تغطي الغابات ثلاثة أرباع مساحة أراضيها”. “على الرغم من أن علاقة الإنسان بالغابة راسخة منذ القِدم، إلا أن هذه العلاقة تتعرض لضغوط بسبب التحوّل الرقمي والتوسع الحضري والافتقار إلى الاعتماد المباشر على الغابات؛ ناهيك عن أننا بدأنا فعليًا في الاعتقاد بأننا نستطيع العيش من دون تلك الغابات”.

 

إن برنامج IFTDaysعبارة عن حدث يستمر لمدة أسبوع، ويستقطب حوالي 100 شخص، منهم 60 يشاركون في ورشة عمل ليوم واحد، ومجموعة أصغر تتألف من 40 يقضون أوقاتهم في طرق متنوعة للعلاج بالغابات. استقبل البرنامج هذا العام أكثر من 25 اختصاصيًا في جميع المجالات، بدءًا من علوم الغابات مرورًا بالتأمل الواعي وحتى الحكايات الشعبية، ليقوموا بدور متحدثين ومرشدين في الجلسات التي تُعقد على مدار الأسبوع.

 

وأضافت كاترينا “يجمع برنامج IFTDaysبين أولئك الذين يرغبون في الاستشفاء بالطبيعة من خلال عملهم، وتبادل المعرفة، والتعلم من بعضهم البعض، وتجربة ممارسات العلاجات المختلفة عبر الغابات”. ومع كون الأشجار “نظام الدعم الثابت لحياتنا”، تابعت كاترينا كيلبي “إن التواجد حول الأشجار أثبت أنه يحقّق التوازن الصحي بين ضربات القلب، وانخفاض ضغط الدم، وانخفاض هرمونات التوتر في الدم، والحد من الأفكار السلبية، وتحسين الحالة المزاجية. فالأشجار تمنحنا شعورًا بالمجتمعية والراحة والاستجمام”. “إن الغابات الفنلندية “آمنة نسبيًا”، حيث توفر أساسًا عتيقًا فضلًا عن توافر شجر التوت الطازج في الموسم الحالي. “بوجه عام، يمكنك القول إنك إذا تمكنت من الصمود أمام البعوض الفنلندي، الذي يعد مصدر إزعاج، ولكنه لا يشكّل خطرًا، لأنه لا يحمل أي أمراض، فانه يمكن وصف الغابات الفنلندية بأنها “جنة”.

 

في غضون ذلك، في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تخلو من الغابات، فقد مضى نحو 50 عامًا على رؤية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإدراكه المتبصر بقوة المسطحات الخضراء وتأثيرها الدائم في الرفاهية؛ إذ قال في أحد أقواله الحكيمة “أعطوني زراعة أعطيكم حضارة”.

 

كان عبد الحفيظ يوار خان اليوسفي هناك في أوائل الستينيات، في العين، عندما قال سمو الشيخ زايد هذه الحكمة، والتي أصبحت بعد ذلك جزءًا من مهمة تحويل الإمارات العربية المتحدة إلى أراضٍ “طبيعية خضراء”. يقول اليوسفي، البالغ من العمر 81 عامًا والمستشار الزراعي المتقاعد للشيخ زايد، “يمكن للأشجار المناسبة المزروعة في المواسم المناسبة تغيير المكان إلى الأبد”.

 

 

جاء هذا المزارع إلى أبو ظبي في عام 1962، وكان يطلق عليه اسم “خان”، بدعوة خاصة من المغفور له الشيخ زايد، وقد شغل بعد ذلك منصب ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية. ويقول اليوسفي “كلما كنت ألتقي بسمو الشيخ زايد، كان لا يفتأ يتحدث عن المشاريع الزراعية، وكان يسأل دومًا: ‘ماذا علينا أن نفعل بعد ذلك؟ ماذا لديك في جدول الأعمال؟ أنا متحمّس لرؤية الأشجار والزهور والخضروات في كل مكان”. “فالأشجار عندما تزدهر يمكن أن تغير المناخ في بلد ما، وتشفي كل من فيها. ولا تزال أشجار النخيل التي زرعتها منذ أكثر من 50 عامًا تثمر الفواكه والظلال التي تعود بالنفع على كل من في البلاد”. بالإضافة إلى كيفية استخدام الأشجار في الاستفادة من الطيور والحيوانات والحشرات، نشأ خان اليوسفي في المكان الخاص الذي كانت تزدهر فيه الأشجار في صدر الإسلام.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كانت له صدقة”. يقول اليوسفي، الحاصل على درجتين في العلوم الزراعية من باكستان وبيروت، “إنها صدقة جارية، تستمر حتى بعد مماتك”.

 

من بين أول الأشجار التي تم استيرادها إلى الإمارات العربية المتحدة، بناءً على نصيحة اليوسفي، عندما جاء إلى العين، كانت شجرة الكينا (الأوكالبتوس)، التي عندما تم استيراد 12 صندوقًا منها من أستراليا، كانت التضاريس صعبة والمناخ قاسيًا، إلا أنها قد تم اختيارها بعناية لتحمل هذه العوامل الخارجية.

 

كان اليوسفي يتذكر بإعزاز كيف كان الشيخ زايد يقف وبجانبه شريط قياس لترسيم المواقع المزروعة بين العين والبريمي. وكان يقول “كان لصاحب السمو دولة يحكمها وأمة يبنيها، إلا أن الزراعة كانت شغله الشاغل دومًا”. “إنه كان يخوض معركة شاقة”.

 

وعملًا بتوجيهات سمو الشيخ، انطلق اليوسفي نحو زراعة الأشجار على طول الطرق البسيطة في العين وأبو ظبي، بهدف توفير الحماية من الرمال والرياح والأشجار التي لا تزال موجودة حتى يومنا هذا. كما قام بإدخال نظام الري بالتنقيط للحفاظ على المياه والتغلب على الاحتمالات السلبية عن طريق زراعة الأشجار على طول عدة كيلومترات.

 

يقول اليوسفي ” في الستينيات من القرن العشرين، كان منسوب المياه يتراوح من 25 إلى 40 قدمًا تحت سطح الأرض”. “كان عليهم أن يمدّوا خط أنابيب على طول الطريق إلى أبو ظبي، ولكن نتيجة ارتفاع الطلب في العين، بدأ منسوب المياه في التراجع. ثم استخدموا نفس خط الأنابيب لنقل المياه من أبو ظبي إلى العين. إلا أنّ بناء هذه الخطوط الفرعية مكلفُ للغاية بل ويستغرق وقتًا طويلًا، ولكنّ شغف الشيخ زايد وتحمّسه بالزراعة هو الذي جعل التمويل متاحًا دائمًا”. استطاع الشيخ زايد استصلاح الأرض القاحلة “ولم يكن مقتنعًا” بهذا الاعتقاد الراسخ لدى الخبراء البريطانيين بأن الطبيعة ستكون لها اليد العليا في هذه المعركة.

 

يقول اليوسفي “كان سموه يحلم دومًا بتحويل الصحراء ذات اللون الأصفر إلى لون أخضر”.

 

يقيم اليوسفي حاليًا في الولايات المتحدة وهو يخضع للعلاج الطبي، ونادراً ما يمكث في غرفته بالمستشفى، لأنه يحب أن يُنقل إلى الحدائق والمتنزهات الخارجية، ليكون قريبًا مما يحبه أكثر، حيث كان يقول “الأشجار تشفي الأمراض، وكان سمو الشيخ زايد يحبّها ويشغف بها، بل وتحظى بالاحترام في ظل الإسلام”.

 

• نُشر هذا المقال في الأصل في 1 تشرين الأول (أكتوبر) 2019.

Livehealthymag.com is for every body and mind in the UAE. This magazine is all about moderation, making small changes, little additions and the odd subtraction.

Search

اشترك في نشرتنا الإخبارية

كن أول من يعلم بأحدث العروض والحملات الترويجية.