الصداقات

هل تسبب فيروس كوفيد-١٩ في تدمير الصداقات

الآن، نحن بصدد الحديث عن صديقتان من إمارة أبوظبي كانتا قد جمعتهما صداقة قوية لسنوات. وكانتا تتحدثان بشكل يومي وتحرصان على اللقاء معًا على الأقل مرة واحدة كل أسبوع قبل ظهور فيروس كوفيد -19.
ولكن مع تطبيق الحظر وتقييد التواصل الشخصي، وجدا أنفسهم ينجرفان بعيداً عن بعضهم البعض. وحتى عندما بدأت البلاد في رفع الحظر، لم تشعر زينب بما يكفي من الأمان، ولم تجرؤ على المخاطرة والخروج من منزلها ورفضت اللقاء بصديقتها ثريا التي كانت متحمسة للغاية حتى تعود الأوضاع إلى “طبيعتها”.

قالت ثريا: “منذ اليوم الأول كنت قلقة من الإصابة بفيروس كوفيد-19، بينما كان لدي إقتناع بأن وسائل الإعلام تجعل الأمور أسوأ مما هي عليه.” وقالت أيضًا “هذا الوضع جعلنا نبتعد أكثر عن بعضنا البعض. وبينما كنت أعيش حياتي بشكل طبيعي وأفعل ما أريد كما لو أن شيئًا لم يتغير، توقفت هي عن ممارسة الكثير من الأشياء.”
أثارت الحديث حول اللقاحات المزيد من الجدل والنقاشات.

“لم أتناول اللقاح لأنني ضده، لكن زوجها قد حصل عليه وسمعت مؤخرًا أنها قد حجزت موعدها للحصول عليه أيضًا. إنهم قلقون للغاية بشأن الفيروس لدرجة أنه تسبب في ابتعادنا عن بعضنا البعض، واعتقد أن هذا الأمر يحدث مع الكثير من الناس.”

وفي الواقع، تبين من خلال استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة “عش بصحة” على الإنستجرام أن نسبة ٦٧% من الذين تم سؤالهم من جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة قالوا إن جائحة كورونا قد أثرت على صداقاتهم. ومن بين الذين أجروا الاستطلاع، صرح ٣٩% منهم أن كثرة الحديث حول اللقاحات قد أثرت على صداقاتهم، وقال ٥٠% منهم أن اختلاف وجهات النظر بشأن القيود المفروضة بسبب الوباء تسببت في مشاكل في الصداقات الخاصة بهم.

ومن المتفق عليه القيام بمزيد من الأبحاث في هذا المجال. وأوضح المشاركين في استطلاع الرأي عبر الإنترنت المُجرى في العديد من القطاعات في الأردن بتاريخ مايو ٢-٢- والذي تضمن ٤٣٠١ مشاركًا، أن فيروس كوفيد- ١٩ كان يؤثر سلبًا “وبدرجة كبيرة” على علاقاتهم الاجتماعية و الصداقات. أوضحت “دراسة أوروبية” تم إجراؤها في نوفمبر الماضي أن ٣٥% من سكان الدنمارك المجيبون على الاستطلاع قد شهدوا انتهاءً في الصداقات أو حدوث توتر في علاقاتهم مع أصدقائهم خلال فترة تفشي المرض. وبلغت النتيجة بالأرقام ٢١ في المئة من المشاركين في الاستطلاع من سكان السويد و١٨ في المئة من المجيبين على الاستطلاع من أبناء المملكة المتحدة. ولكن لم تحمل جميع الاستطلاعات أخبارًا سيئة، فقد أفاد ستة في المئة من المجيبين على الاستطلاع أنهم قاموا بتكوين الصداقات الجديدة  خلال فترة الجائحة.

إذًا، لماذا ولدت أزمة كوفيد-١٩ هذا التأثير على علاقاتنا؟

“توضح ناردين ترجمان، أخصائية علم النفس الإكلينيكي في مركز علوم الأعصاب الألماني بدبي، هذا قائلة: “إن التباعد الاجتماعي والعزلة والضغوطات المالية والتعليم والعمل من المنزل وفقدان الوظيفة والافتقار إلى توازن الحياة المنزلية ليست سوى بعض الأسباب المتعلقة بالأمر.” وصرحت أيضًا: “أنه وفقًا لاختلاف وجهات النظر حول فيروس كوفيد– 19، فإن علاقات الأصدقاء قد تم اختبارها، وبسبب ذلك الاختلاف بدأ الأشخاص في الابتعاد عن بعضهم البعض معتقدين أن أصدقائهم لا يشاركونهم نفس القيم الخاصة بهم. لقد تسبب كوفيد-19 في إحداث المزيد من التوتر والقلق مما يعني أن بعض الأفراد قد وجدوا أنفسهم يتفاعلون بشكل سلبي تجاه الآخرين وبسرعة أكبر. وعلى المستوى العملي، فقد تطلبت عمليات الإغلاق التي فُرضت علينا أن يعيش البعض من الناس قريبين من بعضهم لفترات أطول مما اعتادوا عليه، بينما ابتعد البعض الآخر عن بعضهم البعض.”
وهو الأمر الذي تعرفة اليسا التي تسكن دبي معرفة جيدة.

فتوضح قائلة: “لقد تأثرت كثيرًا الصداقات الخاصة بي  أثناء الوباء، وحتى الآن وهو على وشك الانتهاء.” وتقول أيضًا: “لقد أصبح قضاء كل تلك الساعات أثناء الحظر مع رفقاء السكن زائداً عن الحد مما يشعرنا بالملل، على الرغم من أننا كنا أصدقاء جيدين قبل الانتقال للعيش معًا. لقد أزعجني كلاهما بمختلف العادات السيئة وبطريقتهم في التعبير عن وجهات نظرهم السلبية حول مسألة “حياة السود مهمة” التي لا اتفق معهم فيها. وبعد ذلك انتقلت للعيش بمفردي وبدأت في قضاء الوقت مع أصدقائي الجدد الذين ألتقيت بهم عبر الإنستجرام، بينما كنت أتجنب التعامل مع رفقاء السكن خلال فترة الحظر مختبئة في غرفتي.”
لم تكن دكتور ناردين ترجمان متفاجئة بقصة اليسا وقالت: “إن الحظر وانتشار الوباء بشكل عام لم يفسحا المجال أمام الناس للتفكير في صداقاتهم وقيمهم فحسب، بل شجعهم أيضًا على التواصل مع الأخرين من ذوي القيم المشابهة.” وتقول أيضًا: “إن منصات وسائل التواصل الاجتماعي سمحت لهم بالتواصل وتطوير علاقات شخصية مع لأشخاص أكثر انسجامًا مع آرائهم الشخصية.”
ولكن هل يتوجب علينا محاولة التمسك بعلاقاتنا القديمة أيضاً؟

تقول ناردين ترجمان: “إنه من الطبيعي لبعض العلاقات أن تُصاب بالفتور، أما إذا كان المرء يرغب في استعادة قوة هذه الصداقات فهو قرار شخصي. ومع ذلك فإن الصداقات تفيد كلاً من صحتنا البدنية والعقلية على حد سواء. ويمكن للتواصل الإيجابي مع الآخرين والاعتماد المتبادل أن يثري حياتنا، وتستطيع الصداقات الحقيقية في معظم الحالات أن تستمر من حيث توقفت على الرغم من اعتياد أصحابها على العزلة وإقامة عدد قليل من الصداقات في حياتهم.”

وهو أمر يتفهمه جوناثان من المملكة المتحدة جيدًا.

يقول جوناثان: “لقد قررتُ مغادرة دبي والعودة إلى الوطن حتى أكون أقرب للكثير من أصدقائي وعائلتي الذين تركتهم في إسكتلندا منذ ثلاثة أعوام. خلال فترة الحظر أمضيت معظم وقتي في مكالمات الفيديو مع أصدقائي من المنزل وحتى بعد رفع القيود كانوا هم الأشخاص الذين أود التحدث إليهم أكثر من قضاء ليالٍ لا نهاية لها مع أصدقائي في دبي –كما فعلت سابقًا- وهذا جعلني أدرك أولويات صداقاتي.”
ليس جوناثان الوحيد الذي يفكر هكذا: فقد قال 77 في المئة من المشاركين في استطلاع “عش بصحة” أن الوباء جعلهم يدركون أي الصداقات هي الأكثر أهمية”.
تقول دكتور ناردين ترجمان: “ربما أصبح من الواضح أن بعض العلاقات كانت تعتمد على الراحة والتعود، ولكنها كانت تفتقر إلى أي عمق حقيقي.” وأضافت أنه: “من المرجح أيضًا أن يكون للوباء أثر في إضعاف علاقاتنا مما أدى إلى فقداننا الكثير منها. وعندما نبدأ في الخروج من أزمة كوفيد-19 قد يعاني البعض من القلق الاجتماعي إلى حد ما، لذلك لن تعود جميع الصداقات إلى ما كانت عليه.”
تقدم ناردين ترجمان بعض النصائح حول كيفية إعادة الأمور إلى مسارها الصحيح فتقول: “عليك البدء بالتواصل ، فكما شهدت الكثير من الضغوطات خلال فترة الحظر عليك أن تذكر نفسك أنه من المحتمل تعرض الآخرين أيضًا لنفس تلك الضغوطات.” كما أخبرت بأنه: “عليك أن تكون داعمًا ومتعاطفًا تجاه الآخرين تمامًا كما ترغب منهم أن يكونوا داعمين تجاهك. ويمكنك التحدث معهم حول الذكريات مع الحرص على توفير المساحة الآمنة للانفتاح مجدداً. إن التواصل الجيد يمكنك من الفهم العميق لبعضكم البعض وتشكيل علاقات إيجابية وصحية.”
تم تغيير الأسماء الواردة في القصص.

Livehealthymag.com is for every body and mind in the UAE. This magazine is all about moderation, making small changes, little additions and the odd subtraction.

Search

اشترك في نشرتنا الإخبارية

كن أول من يعلم بأحدث العروض والحملات الترويجية.