ما مدى السلامة في ممارسة التمارين الرياضية أثناء الصيام في شهر رمضان؟

 

بالنسبة لمن يتطلعون إلى مواصلة ممارسة التمارين الرياضية – بدءًا من الهواة، وصولاً إلى صفوة الرياضيين – فيمثل لهم شهر رمضان الكريم عددًا من التحديات، وهو ما يثير سؤالاً لا مفر منه حول إمكانية ممارسة التمارين الرياضية بشكل عام.

وهذه المعضلة الأخيرة مشكلة شديدة الوضوح في حقيقة الأمر ويمكن حلها. وأثبت البحث مرارًا وتكرارًا أنه يجب تشجيع الصائمين على ممارسة التمارين الرياضية خلال شهر رمضان. وفي دراسة أُجريت في عام 2012 في مجلة العلوم الرياضية، وكان عنوان الدراسة “آثار الصيام المتقطع في شهر رمضان على الأداء الرياضي”، فندت الدارسة أن الحفاظ على اللياقة البدنية خلال شهر رمضان المبارك يعود إلى “الحفاظ على الأحمال التدريبية وكثافتها عند المستويات التي تلائم قدرات الرياضي الصائم”.

وكان المشروع المشترك بين مختبر الأبحاث التونسي وجامعة دندي ومجلس سنغافورة للألعاب الرياضية قد كشف عن أفضل الأوقات للتمرين في شهر رمضان، وخلص المشروع المشترك إلى أن التدريب المكثف يجب أن يحدث في وقت مبكر من المساء حتى تحدث الإماهة بعد الانتهاء من التمرين مباشرة، كما أوصى المشروع – وهو ما قد يُسعد الكثيرين – بأن القيلولة أثناء النهار يمكن أن تساعد في تحسين أداء الصائم.

وتتوافق تلك الملاحظات مع الواقع الذي يراه الدكتور “رمزي روس”، رئيس الأداء العالي والإستراتيجية في مركز “أب آند رنينج” الطبي في دبي. كما يشدد الدكتور “روس”، والذي عمل سابقًا مع مجموعة من العملاء البارزين، بما في ذلك جيش دولة الإمارات العربية المتحدة، والفريق الأثيوبي لرياضة الركض لمسافات طويلة، على أن الطريقة المثلى للتمرين خلال شهر رمضان قد تختلف اختلافًا كبيرًا من فرد لآخر.

ويشرح الدكتور “روس” ذلك، بقوله: “بالطبع هناك بعض الاعتبارات عند ممارسة التمارين الرياضية في الصيام، ذلك أن الشخص يمر بفترة طويلة لا يستهلك فيها الطاقة اللازمة لممارسة التمارين الرياضة بفعالية”. “وهذا الأمر قد يكون مثار قلق على وجه الخصوص إذا كان الشخص يعاني من أي حالة مرضية كامنة والتي قد تؤثر على نسبة السكر في الدم كأمراض السكري.

“ومع ذلك، في معظم الحالات، بعد التخطيط الجيد، نجد فوائد التمارين الرياضية تفوق مخاطرها، وسأتخلى عن فكرة ترك التمارين الرياضية كاملة خلال شهر رمضان. وهناك دليل يثبت أن ممارسة الرياضة بمستويات منخفضة بعد فترة الصيام يمكن أن تساعد في زيادة عملية الإيض للدهون باعتبارها مصدر رئيسي لإنتاج الطاقة – لمساعدة الجسم على أداء وظائفه وممارسة التمارين الرياضية.

“هناك من يتبع هذا الأسلوب في التدريب، قبل الإفطار، غير أن البعض الآخر يفضل أن يستيقظ قبل شروق الشمس في الساعات الأولى من الصباح حتى يتمكن المرء من تناول الطعام والشراب على الفور بعد الجلسة وقبل البدء في الصيام، وهذا الوقت الأخير هو أفضل الأوقات في كثير من الأحيان لممارسة التمارين المكثفة، ولاسيما أن المرء سيستعيد مخازن الطاقة التي نفذت بسبب التمارين.

“ويختلف موعد التدريب باختلاف الشخص، ولهذا من المهم أن تتوافق خطط اليوم مع احتياجات الشخص. وتتوقف الخطط على الشخص نفسه – بحسب ما يحب ويكره، ومدى إصراره على الاستمرار في الحفاظ على نمط حياة صحي نشط خلال شهر رمضان.”

وينتظر الرياضيين النخبة والهواة على حد سواء قدوم شهر رمضان، ولكن هل هناك أي فرق كبير بين تأثير الشهر الكريم على “محمد صلاح” و”محمد” البائع في مدينة ديرة؟

بالنسبة لصفوة الرياضيين رجالاً ونساء ممن ترتبط حياتهم بالتدريب، فأعتقد أن شهر رمضان سيكون بالطبع أكثر صعوبة، حيث يخضع الرياضيون المميزون لجدول تدريبي صارم، ومواعيد محددة، والتزامات يتم في أغلب الأحيان وضعها بالتفصيل قبل التنفيذ بأشهر، وقد تؤثر التغييرات حقًا في كيفية تعامل هؤلاء الرياضيون مع فترة الصيام التي قد تستغرق من أربعة إلى خمسة أسابيع.

“وفي بعض النواحي، قد لا يكون الصيام مثاليًا من منظور الأداء العالي، وهناك تركيز على تقليل التراجع في الأداء أكثر من التركيز على زيادة معدل الأداء، وهذا الأمر قد يكون أكثر حساسية للنخبة الرياضية، لأن الرياضيون الهواة يمكنهم تحمل تلك التعديلات وتجربة أكثر مع ما يناسبهم، دون أن يعوقهم انخفاض محتمل في الأداء على المدى القصير.”

إن القرارات المتعلقة بما يجب تناوله ومتى يتم تناوله هي أمور يتم تضخيمها في رمضان. وفي كثير من الأحيان، تواجه “فيكتوريا تيبر”، مدرب التغذية والحياة في دبي، سيلاً من التساؤلات مع اقتراب شهر رمضان.

وتقول “تيبير”: “يفقد معظم الصائمون كتلة عضلية خلال شهر رمضان لأنه من الصعب التدريب بالطريقة نفسها”. “لكن على المرء أن يدرك أنه لكي يضمن إعادة بناء عضلاته، فعليه الحصول على نسبة كافية من البروتين. ويجب أن يحصل الفرد على “0,8 إلى 1” غرام على الأقل من البروتين لكل كيلوجرام من الجسم، وتزيد هذه النسبة إذا كان الشخص يمارس المزيد من تدريبات القوة أو المقاومة، وحينئذ يحتاج الشخص إلى من 1.5 غرام إلى 2 غرام لكل كيلو من وزن الجسم.

“وإذا كان الشخص يمارس المزيد من تمارين الكارديو، فإنه في حاجة إلى التأكد من حصوله على ما يكفي من الكربوهيدرات، وهذا قطعًا لأن الشخص عندما يكون صائماً طوال اليوم، يجب عليه تناول جميع أنوع الأطعمة – من بروتين ودهون وكربوهيدرات.

فلا يوجد وقت صحيح لتناول الطعام وممارسة التمارين الرياضية، وهناك  المزيد والمزيد من الناس يفطرون على شيء بسيط – مثل الموز وبعض التمور – قبل التمرين، وهناك آخرون يتدربون ثم يفطرون مباشرة بعد التمرين، فلكل شخص أسلوبه الذي يفضله”.

ومع تناول وجبة الإفطار التقليدية والتي غالبًا ما تكون وجبة دسمة وسكرية، تعتقد “تيبر” أنه من المهم أن يكون الناس أكثر وعيًا بعض الشيء بشأن ما يستهلكونه خلال شهر رمضان.

“إذ ينبغي تجنب الأرز الأبيض والخبز الأبيض والأطعمة الغنية بالسكر، وأشياء أخرى مثل عصائر الفاكهة، لأنها ترفع نسبة السكر في الدم بسرعة كبيرة. وبدلاً من تناول تلك الأطعمة، سيكون من الأفضل تناول أطعمة أخرى مثل الكينوا والبطاطا الحلوة والاسكواش والفاصوليا والعدس – لأنها تشتمل على الكربوهيدرات المعقدة والتي يتخلص منها الجسم ببطء.

“إن عملية الهضم بالغة الأهمية، لأن الطعام يصل إلى نافذة صغيرة جدًا. وغالبًا ما يميل الناس إلى تناول الطعام بسرعة في وجبة الإفطار، غير أن الأكل ببطء أمر مهم، ولهذا سيعاني بعض الناس خلال شهر رمضان من أشياء مثل الإمساك، ولهذا، فإن الحصول على كمية كافية من الألياف أمر أساسي، ويكون هذا من خلال تناول قشرة الخضروات، وإضافة أشياء إلى الطعام مثل بذور شيا أو بذور الكتان.

“وتوفر الخضروات كميات كبيرة من مضادات الأكسدة، وهو أمر في غاية الأهمية حقًا عند ممارسة التمارين الرياضية. قد يكون الشمندر مفيدًا بشكل خاص للأشخاص الذين يمارسون التمارين الرياضية، لأن الشمندر يساعد على زيادة أكسيد النيتريك في الجسم، وهذا يزيد من تدفق الدم وبالتالي توفير المزيد من الأكسجين لعضلات الجسم، الأمر الذي يعزز الأداء”.

وبعد رمضان، أصبح الصيام المتقطع خيارًا شائعًا في أسلوب الحياة في السنوات الأخيرة. ويستخدم العديد من غير المسلمين شهر رمضان كنقطة بداية – حيث يصومون تضامنا مع الأصدقاء والزملاء من المسلمين – وما لبثوا أن يستمروا في الصيام بعد نهاية الشهر.

وهناك اكتشافات عدة للدكتور “فالتر لونجو”، أخصائي علم الأحياء، بخصوص الفوائد الصحية للصيام. وكان الدكتور “فالتر” من بين الأطباء الذين درسوا كيف يساعد الصيام في معالجة أمراض المناعة الذاتية، بما في ذلك التهاب المفاصل الروماتويدي والتصلب المتعدد.

وتقول “تيبير”: “إن الدكتور فالتر هو أحد الباحثين البارزين في الصيام، وعمله مثير حقًا للاهتمام”. وأضافت، “نحن نعلم بالفعل أن الصيام يعزز عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ، ومن شأن هذا العامل أن يحسن وظائف المخ، وهو ما يسري الآن على الأمراض الأخرى.

وأنا شخصياً من أشد المحبين للصيام المتقطع، ولكن لكل منا أسلوبه الغذائي الخاص به، لذا فإن الصيام لا يناسب الجميع. وعند الصيام لأول مرة، يجب على الشخص الصائم المتابعة مع طبيب متخصص إن أمكن.

وتمامًا مثل أولئك الذين يترقبون شهر رمضان، نجد أنهم في الأيام القليلة الأولى من الشهر الكريم لا يشعرون في كثير من الأحيان بالراحة، ولكن بعد ذلك، إذا أدوا الصوم بالطريقة الصحيحة، فيشعرون في الواقع بقدر أكبر من الحيوية، ويتكون لديهم هذا النوع من الوضوح والتركيز المحسن.”

ومثل “تيبر”، شهد الدكتور “روس” الكثير من النتائج المثيرة للإعجاب بفعل الصيام المتقطع. ولكن بينما هناك احتمال بحدوث تغييرات جسدية وعقلية إيجابية، يعتقد الدكتور “روس” أن الصيام أمر يجب تطبيقه بحذر.

“قد يكون الصيام المتقطع فعالًا جدًا إذا طُبِّق بالطريقة الصحيحة أولئك الذين يتطلعون إلى خفض اوزانهم، أو التخلص من الدهون في الجسم – في محاولة لتحسين بنيتهم الجسدية. وهناك بحث جديد يجري تطبيقه طوال الوقت، وهناك تطلع دائمًا إلى الحصول على صورة أوضح عن كيفية تأثير ممارسة التمارين الرياضة في الدول الصائمة على الصائم من الناحية الفسيولوجية وعملية الإيض والخصائص الحيوية في جسده.

ويُطبق الصيام في العديد من التخصصات الرياضية. فعلى سبيل المثال، هناك في الوقت الحالي مقاتل من نادي “يو اف سي”، والذي صور برنامج متقطع لإسقاط الدهون في جسمه والوصول بنسبتها إلى نسب مفردة. وعملت أيضًا مع رافع أثقال أيرلندي وكان حاملاً للرقم القياسي العالمي في فئته العمرية. وهناك أيضًا العديد من لاعبي كرة القدم يحاولون الصيام المتقطع استعدادًا للموسم الكروي – وذلك لاستعادة تركيبة أجسامهم إلى ما كانت عليه.

وتمامًا مثل أولئك الذين يترقبون شهر رمضان، سواء كانوا من صفوة الرياضيين أو الهواة، فإن النصيحة الرئيسية هي أن يراقب المرء جسده، ويلتمس النصيحة المناسبة إذا ما أراد تحقيق النتائج المرجوة.”

Livehealthymag.com is for every body and mind in the UAE. This magazine is all about moderation, making small changes, little additions and the odd subtraction.

Search

اشترك في نشرتنا الإخبارية

كن أول من يعلم بأحدث العروض والحملات الترويجية.