ما لم تعلمه أمي حتى إصابتها بالسرطان، علمني ماهية الغضب

هناك أشياء كثيرة لن تعرفها أمي أبداً.

وأحد تلك الأشياء هو تأثري بأمي في الأشهر القليلة التي سبقت وفاتها أكثر من تأثري في الـ”27″ عامًا الماضية التي ترعرعت فيها.

توفيت والدتي بعد إصابتها بسرطان الثدي للمرة الثالثة وكان ذلك منذ سبع سنوات تقريبًا، عن عمر يناهز 57 عاما، وكانت امرأة طيبة القلب وصابرة.

ولكن كما كنت محظوظاً لأنني حصلت على هذه الجينات القوية، كانت والدتي أيضًا مشحونة بكمية هائلة من الغضب داخلها. لقد قضت فترة من عمرها ربما لن تختار أن تعيشها لو أنها ولدت في وقت مختلف، أو علمت الحكمة التي اكتسبتها قبل وفاتها مباشرة.

ومن تجاربنا السابقة، لم أكن لاختار لها هذه الحياة، أيضًا.

على الرغم من أنها كانت أمًا محبة لأسرتها راعية لهم، إلا أن غضبها كان واضحًا خلال طفولتي، حيث تنتهي معظم – إن لم يكن جميع – الخلافات بالصراخ ، ورد الباب وأن تطل علينا بوجه عابس. ضحت والدتي بنفسها من أجل أطفالها الثلاثة، وأصابها الاستياء بسبب المصائب العديدة التي ألمت بها خلال حياتها.

وتعلمت لاحقًا أن الغضب هو سم لا يتسلل إلى جسم الإنسان فحسب، بل ينتشر إلى الآخرين حوله، وسرعان ما يتحول الإنسان إلى هذا الشخص الذي يغضب من الجميع.

وفي عام 1989، عندما كان عمر والدتي هو نفس عمري اليوم – 34 سنة – تم تشخيص والدتي لأول مرة بسرطان الثدي. وفي الوقت ذاته، كانت والدتي أصغر امرأة في بريطانيا تُصاب بالمرض، ثم أصابها السرطان مرة أخرى بعد مرور سبعة عشر “17” عامًا، وبعد هذه الإصابة، اعتقدنا جميعًا أن العلاج الكيميائي قد أدى وظيفته المروعة، ولكنها كانت ضرورية. الا انه بعد ست سنوات، صفعنا الواقع في وجهنا مرة أخرى.

قيل لي: “تعال إلى البيت”، “فلن تعيش والدتك سوى أسابيع قليلة”

ولن أنسى مطلقًا هذا الشعور بالصدمة والرعب بعد سماع تلك الكلمات. لأنني سأظل وحدي لفترة طويلة من الزمن، ولم يكن من السهولة بمكان تصديق تلك الأخبار.

وما زاد الأمور تعقيدًا؟ هي علاقتي المضطربة مع والدتي. ولأن لكل منا شخصيته المختلفة والقوية – وكلانا شديد الغضب – فالصدام بيننا كان تقريبًا أمرًا حتميًا. ولم تكد تمر فترة قصيرة حتى أبدأ في إدراك أن هذا الغضب العميق لا يجرح الآخرين فحسب، بل أجسادنا وصحتنا أيضًا.

وذلك لأن الغضب له نفس التأثير المدمر على الجسم مثل أي نوع آخر من الإجهاد المطول، كما يشرح الدكتور أليكس ويتاسك، رئيس الجمعية الدولية لأطباء ماير.

وقال الدكتور “أليكس”، “إن الإجهاد يحفز وسائط الالتهاب على الانتشار”، مثل إنترلوكين 6، وTNF ألفا، والمزيد، “وهذا يسبب التهاب صامت له العديد من الآثار السلبية – وتمثل أمراض تصلب الشرايين، داء السكري من النوع الثاني؛ وضعف بسيط في الإدراك، والخرف، والسمنة، والسرطان، الأمراض الأكثر شيوعًا التي يسببها الالتهاب الصامت، كما يؤدي الضغط إلى إضعاف جهاز المناعة، والإصابة بالأمراض المعدية.

ويساعد الغضب والتوتر على إنتاج المزيد من الكورتيزول، مما يعزز زيادة الأنسجة الدهنية.

وأضاف الدكتور “أليكس”، “أن الغضب يؤدي إلى إصابة أنسجة الجسم بالحماض، وإنتاج وسائط الالتهاب، والتي تدمر مستقبلات الأنسولين الموجود في خلايا الدماغ”. “[وتؤدي] وسائط الالتهاب تلك إلى الإصابة بالالتهاب الصامت، والذي لا يشعر به المرء عادة، ومن الصعوبة بمكان تشخيصه بالفحوصات العادية في المختبرات.

ويقول الدكتور “بهجت بلبوص”، وهو طبيب نفسي في مركز “يورو ميد كلينيك” في دبي، إن الغضب هو عاطفة تؤثر سلبيًا على جميع أجزاء الجسم.

وأضاف، “إن الغضب باستمرار يضعف مناعتنا تجاه العوامل المحيطة بنا، ويرفع مستوى الكورتيزول في الجسم، مما يؤثر على القلب والدورة الدموية. “كما أن الغضب يزيد من التهاب الدماغ نفسه، وبدوره يؤدي هذا الالتهاب إلى تطوير الاكتئاب والأمراض الأخرى ، مثل السرطان”.

ويمكن أن يؤثر الغضب الدفين علينا جسديًا وعقليًا وعاطفيًا.

وتقول الدكتورة “زهراء رجب”، ممارس عام في المركز الطبي وجراحة اليوم الواحد بمستشفى الإمارات في دبي، “إن للغضب تداعيات جسدية، ومنها: عدم التوازن الكيميائي، والاستياء، وهو ما يؤدي إلى خلل هرموني والذي يؤدي بدوره إلى أعراض وأمراض جسدية”. “ويؤدي الشعور بالمرارة إلى إضعاف جهاز المناعة، وزيادة قابلية الإصابة بالأمراض الجسدية. ويستطيع الأطباء في كثير من الأحيان تتبع الاضطرابات الجسدية حتى اللحظة التي بدأ فيها المريض يشعر بالمرارة.

كما أن فقدان السيطرة على الغضب قد يؤدي إلى مشاكل أكبر من المشاكل التي حدثت في البداية.

وتقول الدكتورة “زهراء رجب”، “من المهم جدًا الالتفات إلى الغضب عندما يكون بسيطًا، وتقييم سببه، وتحديد أفضل طريقة عقلانية للتعامل مع مشاعر الغضب والموقف الذي نتج عنه”.

وعندما رأيت والدتي في المستشفى وقد اقترب أجلها، كانت ملامح الهدوء تكسو وجهها. وعلى مدار الأيام الأخيرة من حياتها، وبينما بدأ عقلها يستسلم للأمر الواقع، غرست في داخلي شعورًا بالامتنان والهدوء لم أشعر به من قبل.

كنا نتحدث عن “عدم الاستسلام” و”القتال حتى النهاية”، وتطبيق الشعار: “سيكون الأمر على ما يرام في النهاية، وإذا لم يكن على ما يرام، فتلك ليست النهاية”.

وكانت التحولات الجذرية في أفكارنا نتيجة لما كان يحدث، من جسامة مرض السرطان الذي أصاب جسدها – ومن الموت الذي يواجهها. وفي إحدى المرات، أخبرتني قائلة: “أريد فقط أن أعيش!” وأجبتها: “ستعيشي” – على أمل منحها قوتي من خلال كلماتي اللطيفة.

وأدت هذه اللحظات العاطفية التي جمعتنا إلى تغييرنا.

فلقد قبلنا أنه ما من شيء يبرر شهرًا من العبث، ولا يستحق أن يصل بنا أي موقف إلى الشعور بألم داخل الجسم.

ربما كانت أمي قد غيرت تفكيرها في مرحلة متأخرة من حياتها، ولكن عزائي أنها توفت بعد كل هذا. وكان هذا التحول درساً هامًا بالنسبة لي، والذي استمر – وازداد أهمية – منذ ذلك الحين.

وخلال تلك الأسابيع القليلة الماضية من حياة أمي، أصبحنا مرتبطين، ويجمعننا الوئام والطمأنينة، كما علمتني أكثر الدروس أهمية في حياتي، وهو أنه في أحلك الظروف، يجب أن أكن صادقاً مع نفسي، ولا أستسلم للأحقاد وأن أسامح.

الصورة التعبيرية: شاتر ستوك “Shutterstock”

Livehealthymag.com is for every body and mind in the UAE. This magazine is all about moderation, making small changes, little additions and the odd subtraction.

Search

اشترك في نشرتنا الإخبارية

كن أول من يعلم بأحدث العروض والحملات الترويجية.