Mt Kilimanjaro

ماذا تتوقّع عندما تتسلّق جبل كليمنجارو

في الساعة 10 مساءً، بلغنا قمة كيبو، أعلى قمم كليمنجارو، التي تقع على ارتفاع 4,750 متر فوق مستوى سطح البحر في متنزه كيليمانجارو الوطني في تنزانيا. كانت المتسلّقات، البالغ عددهنّ 22 امرأة – من بينهن أنا، تحملِن على ظهورهن حقائب من القماش الخشن الأصفر وحقائب المشي لمسافات طويلة، جميعها تحمل علامة “مؤسسة جلف فور جود”، كنّا جميعًا مكتظين في غرفة صغيرة في هذا المعسكر النهائي قبل بلوغ قمة الجبل.

 

عند منتصف الليل، بدأنا السير ببطء وتحمّلنا مشقة لمدة ساعتين حتى بلغنا قمة أوهورو التي يبلغ ارتفاعها 5,895 متر. بينما نحن ماضون في طريقنا إلى أعلى قمة في إفريقيا، والتي تقع على أعلى جبل قائم بذاته في العالم، تنخفض هناك درجة الحرارة إلى أدنى مستوياتها (5 فهرنهايت – 15 درجة مئوية)، متسببة في برودة الأطراف وتجمّدها.

 

بلغنا قمة كيبو في وقت مبكر من المساء، بعدما قضينا طوال اليوم في المشي لمسافة قدرها 4700 متر من مخيمنا في قمة هورمبو. قامت مؤسسة جلف فور جود، وهي مؤسسة غير ربحية مقرها في دبي تساعد في تمويل المشاريع المجتمعية من خلال تنظيم تحديات مليئة بالمغامرات في مختلف البلدان حول العالم، باختيار طريق مارانجوا الذي يستغرق السير عليه ستة أيام والذي يبدأ عند بوابة مارانجوا على الجانب الجنوبي الشرقي من جبل كليمنجارو.

 

هناك العديد من الطرق الأخرى المؤدية إلى القمة، ولكنّ هذا الطريق هو الطريق الوحيد الذي يتضمن أماكن لإقامة أكواخ على طول الطريق، حيث توجد هناك قمة يتسلّقها نحو 60 إلى 100 متسلق يوميًا، بما يمنع الاكتظاظ في المخيمات. باعتبار هذا الطريق هو أحد الطرق الأكثر شهرة، ينخدع الكثيرون نحو الاعتقاد أنه هو الطريق الأسهل، كما أن هذا هو السبب وراء انخفاض نسبة تسلّقه بنجاح.

 

بدأت في الاستعداد لهذه الرحلة منذ عدة أشهر، فمنذ صغري وأنا أعاني من فقدان الشهية والنُهام، اللذين يستنفدا معظم طاقتي وقدرتي الذهنية. نجحت في السيطرة على اضطراب الأكل منذ بضع سنوات من خلال التركيز على الأهداف التي تنطوي على الاعتناء بحالتي الصحية ذاتيًا والتفاعل مع من هم مثلي في التفكير. وفي هذه الأيام، فأنا أبحث دائمًا عن طرق لإطلاق العنان لحدودي المادية. ولأنني لم أشارك في رحلة غامرة بالتحديات والمشقة، بدا لي “جبل كليمنجارو” بمثابة فرصة جيدة لبدء مغامرة رياضية جديدة.

 

كنت متحمسة لخوض هذه المغامرة مع مؤسسة جلف فور جود لدعم قضية تعليم الأطفال في تنزانيا. منذ أن قمت بالتسجيل في الرحلة في ديسمبر الماضي، كان أساس الاستعداد يتمثل في ممارسة المزيد من التمارين الهوائية تدريجيًا بهدف استكمال تمارين القوة والمقاومة. على الرغم من عدم وجود طريقة لمعرفة مدى تأثير الارتفاعات على كل جسم إلا بعد خوض التجربة، فلا يزال بناء جهاز قلبي وعائي قوي يساعد الجسم على زيادة كفاءة استخدام الأكسجين المحدود، مما يمنح المتسلق فرصة أفضل لتحقيق النجاح.

 

 

في الأشهر التي سبقت التسلّق، أمضى فريقنا عطلات نهاية الأسبوع في تسلق 60 طابقًا من أبراج دبي الشاهقة، مع القيام برحلات يومية إلى الوديان في شمال الإمارات، وتزلّج المنحدرات الثلجية في سكي دبي، من أجل التأهب لتسلّق جميع أنواع التضاريس الجغرافية والمنحدرات الصعبة التي ستواجهنا أثناء الرحلة. واصلت تمارين المقاومة في صالة الألعاب الرياضية، مع التركيز على تمارين مثل الدفّاعات والتمديدات والخطوات والسمانة والرفارف الخلفية والقرفصاء لتقوية الأربطة وأوتار الركبة والأرداف. ومن أجل ضمان عدم التعرض للإعياء بسهولة أثناء حمل حقيبة الظهر ذات الثلاثة كيلوجرامات يوميًا، قمت بوضع وسادات الكتف، ورفارف الظهر والكتف، وأدوات تمارين الجلوس المعدَل.

 

إن التسلّق إلى قمة أي جبل نشاط ذهني بقدر ما هو نشاط بدني، ولمساعدتنا في توفير الحماية والحفاظ على مستوى هذين النشاطين، كان برفقتنا فريق من المرشدين والحمّالين والطباخين. كانوا جميعًا مدّربين على الاكتشاف المبكر لأعراض داء الارتفاعات وكانوا يحثوننا على مواصلة الرحلة حتى نعود بأمان. يضم متنزه كيليمانجارو الوطني وحدة انقاذ جبلية. يخضع جميع المرشدين لتدريب إلزامي على التضاريس الجغرافية والسلامة لغرض الحصول على ترخيص. يرافق كل متسلق مرشد واحد، وفي الفرق الأكبر عددًا، يرافق كل اثنين من المتسلقين مرشدُ واحد. فضلاً عن توفّر سيارة إسعاف 4 × 4 عند قمة هورومبو وأفراد حراسة في عدة مواقع لنقل المتسلقين المصابين.

 

لا يستطيع المرشدون ممارسة وظائفهم المحفوفة بالمخاطر إلا خلال موسم الذروة إذا كانوا لائقين بدنيًا وكانت حقوقهم محفوظة. يعدُ فندق مارانجوا، الذي أمضينا فيه بضعة أيام قبل التسلّق وبعده، والذي كان المنظّم لفريق الإرشاد لدينا، شريكُ مع منظمة مساعدة الحماّلين في جبل كيليمانجارو (KPAP)، وهي منظمة غير حكومية تساعد الحمّالين على حفظ حقوقهم. يرافق كل متسلّق تابع لأحد الشركاء أحدُ المراقبين التابعين لمنظمة مساعدة الحماّلين في جبل كيليمانجارو، الذي يكون مسؤولًا عن الإبلاغ عن الوضع الراهن في موقع التسلّق. إلى جانب التأكد من حصول الحمّالين على الحد الأدنى للأجور، وهناك حد أقصى لوزن الأمتعة المحمولة (20 كجم) حتى يتمكنّوا من حملها على الجبل، فضلًا عن توفير ثلاث وجبات لهم يوميًا خلال الرحلة، ومأوى مناسب والملابس والمعدات المناسبة للتسلق والرعاية الصحية في حالة المرض أو الإصابة.

 

في الفترة التي دخلنا خلالها متنزه كيليمانجارو الوطني وحتى خطواتي الأخيرة للخروج منه بعد أسبوع من التسلّق، كنتُ محاطة بمجموعة من المرشدين البارعين للغاية في السير على طرق الجبل، حتى إنهم كانوا يستطيعون الجري صعودًا ونزولًا معصوبي العينين ومرتدين الصنادل. ليست أغنية “هاكونا ماتاتا” (تعني باللغة السواحيلية “لا توجد مشاكل”) مجرد أغنية في “الملك الأسد”، بل هي تعويذة حقيقية لهم. يتعلم المتسلّقون – حتى من هم أكثرهم لياقة – بسرعة كبيرة أن السبيل الوحيد للتسلق هو ترك الأنا جانبًا واصطحاب الأشياء ببطء شديد. كان مرشدونا يراقبوننا دائمًا ويذكروننا باستمرار بالتحرك ببطء لتوفير طاقتنا وتجنب الشعور بالعطش وتناول الطعام كثيرًا، فقد كانت هذه هي الوسائل الرئيسية للتخلص من داء الارتفاعات بصورة طبيعية.

 

على الرغم من المشي المستمر لعدة أيام وتسلّق الارتفاعات، والذي من شأنه أن يختبر قدراتك الذهنية ومثابرتك، فإن تسلق جبل كليمنجارو يمثل تحديًا “ممكنًا” لأولئك الذين يتمتعون بمستوى متوسط من اللياقة البدنية ممن يتطلعون إلى خوض مغامرة جديدة مع الطبيعة.

 

 

 

هناك نحو 35000 إلى 50000 شخص ممن يحاولون التسلق سنويًا، وخاصة من شهر يونيو وحتى أغسطس ومن ديسمبر حتى مارس. وتكتظ بعض الطرق بمحبي المغامرة، لكنّ متنزه كيليمانجارو الوطني، على مر السنين، يتضمن نقاط فحص وتفتيش لضمان السلامة. فضلًا عن تطبيق سياسة صارمة للمخلفات، وقد حظرت تنزانيا هذا العام بيع واستخدام الأكياس البلاستيكية التي تُستخدم لمرة واحدة.

 

يمرّ المتسلّقون بتلك المناطق الجبلية الخمس: المنحدرات السفلية، والغابات الجبلية، والأراضي البرية، وصحراء جبال الألب، والقطب الشمالي، كل منها يتميز بمشاهد وأصوات مميزة. بدأت الرحلة بنزهة عبر الغابة المطيرة، الثرية بالأشجار المعمّرة الملتوية والتي تلقي بظلالِ تغطي الرؤوس، مما يجعل درجة حرارة الجو منعشة طوال الوقت.

 

كنّا نتوقف كثيرًا لالتقاط صور للنباتات المستوطنة والقرود الزرقاء و الكولُبُس الأبيض في طريقنا إلى المخيم الأول.

بعد قضاء ليلة باردة هناك، انطلقنا في الصباح نحو قمة هورومبو (التي يبلغ ارتفاعها 3720 مترًا)، متجاوزين الطريق الصخري للأراضي البرية في مناخ متقلّب. مع اختفاء الغطاء الطبيعي فوقنا، يمكن أن تشكّل حروق الشمس مشكلة كبيرة لنا، لذلك قمنا بإعادة وضع كريم الوقاية من الشمس وارتداء القبعات والملابس ذات الأكمام الطويلة الواقية من الرطوبة. كان التسلّق الذي استغرق ثمان ساعات مغمورًا بالمتعة، وسرعان ما بدأنا نرى الجبال البركانية الخامدة هناك.

 

قضينا ليلتين في هذا المخيم، وقمنا برحلة تجول قصيرة ليوم واحد للتأقلم مع المكان قبل طلوع الصباح الباكر لنتسلق إلى المخيم الأخير. بدأ الإرهاق يسيطر علينا، لكنّ معنوياتنا كانت لا تزال مرتفعة. بلغنا قمة كيبو في المساء، ثم تناولنا العشاء مبكرًا وحاولنا أن ننال قسطًا من الراحة لبضع ساعات قبل أن نبدأ رحلتنا في منتصف الليل. لكنّ النوم ليس بخيارٍ مضمونٍ على ارتفاع قدره 4.700 متر، دون النظر إلى مدى شعورك بالإرهاق والتعب. استطعت تجهيز أكثر من ست طبقات من الملابس الدافئة، وتمكّنت من الضغط عليها حتى أصبحت طبقة واحدة لأنام عليها داخل الكوخ، إلا أنني وبعد كلُ ذلك، لا زلت أرتعش وبدأت في العد التنازلي وأنا أشعر بالأرق.

 

عندما حان الوقت لاختبار مدى الاستعداد الذي استمر لعدة أشهر قبل الرحلة، اصطففنا جميعًا والمرشدين بيننا، وأثناء السير، كنّا نتنفس بصعوبة، وظللنا في صف واحد طوال الليل حتى تشرق الشمس. تأثرت بالبرد القارس تأثرًا بالغًا، حتى أنني كنت أشعر وكأن أصابعي وأصابع قدمي كانت على وشك السقوط. كنت أسير ببطء، وكثيراً ما كنت ابتعد عن الصف للتبول، ثم آخذ رشفة من الماء، ثم أبتعد مرة أخرى عن الصف وأنا أتلّوى فوق الجبل دون أن يكون هناك أي نهاية في الأفق.

 

توقف معظم الفريق عن الكلام، حيث اكتفي بالاستماع إلى الموسيقى والبرامج الإذاعية للهروب من الألم. كان التحدي الأكبر الذي واجهني خلال الصعود الأخير هو التعب ودرجة حرارة التجمّد. محدقًا إلى الأرض بثبات، كنتُ أخطو كل خطوة بحذر، خاصة في المناطق المغطاة بالحصى أو فتات الصخور المكسورة. كنت أذّكر نفسي بانتهاء هذه المعاناة في الصباح مرارًا وتكرارًا. بعد أن تمكّنت من التخلص من مشكلاتي الصحية الكبرى، كانت أكبر المشاكل المتبقية هي الصداع النصفي والغثيان المستمرين، وهي مشكلة شائعة تحدث في المرتفعات الشاهقة.

نجحت في بلوغ قمة جيلمان، أول نقطة للقمة على حافة الفوهة، وإلى حيث تم اعتماد المتسلقين لتسلّقهم جبل كليمنجارو، غير أن أولئك الذين لا يزال لديهم طاقة كامنة كانوا يحاولون الوصول إلى أعلى نقطة، قمة أوهورو. ولكنّي استطعت بلوغها، وقد استغرق الأمر ساعتين أخريين. أحد الأشياء التي لا يحذّرك أحدهم منها حول تسلق الجبال هو أن النزول أصعب بكثير، فالانحدار دائمًا يمثّل عبئًا على الركبتين، ناهيك عن الحصوات الخطرة التي يمكن أن تتعثّر بها، أضف إلى ذلك شعورك بالضعف العام من تسلّق الجبال لعدة أيام. أتذكر تمامّا أنني عند نقطة ما ونحن في طريقنا إلى النزول وفي طريقنا إلى خارج المنتزه توقفت والتفتت إلى مرشدي وقلت إنني لا أستطيع أن أخطو خطوة أخرى؛ لقد كنّا على بعد 10 دقائق فقط من البوابة.

 

كثيرًا ما يُطرح سؤال على الأشخاص الذين يختارون تحمّل هذه التحديات البدنية والذهنية حول الدافع وراء قيامهم بذلك. لا يتعلق الأمر بالتجربة التي نخوضها، والتي ربما تشعر أنها مستحيلة آنذاك، ولكن الأمر يتعلق بالشعور بالتجديد والمرونة التي تعود بها. في النهاية، مرة أخرى، أثبتْ جسدي قدرته على تجاوز كل عقبة، ولم يتوقف عقلي عن التفكير حتى في أكثر المواقف إزعاجًا ومشقة.

 

وسائل الوقاية من الإصابة بداء المرتفعات والبقاء في صحة جيدة طوال الرحلة

  • اقترب من المكان المرتفع ببطء شديد جدًا من البداية.
  • اشرب الكثير من الماء، على الأقل 4-5 لترات في اليوم.
  • اصطحب وجبات خفيفة عالية الكربوهيدرات وأكثِر من تناول الطعام طوال الرحلة.
  • كن حذرًا للغاية عندما تقرر وقاية نفسك من أشعة الشمس باستخدام ملابس وقبعة واقية من الشمس.

 

ممارسة تمارين سهلة لبناء عضلات قوية

  • المشاركة في تحدي تسلّق الدَرج في العمل وانضم إلى الجلسات الجماعية لتسلق الدَرج.
  • المواظبة على السير على الشواطئ الرملية.
  • المشي لمسافات طويلة في شمال الإمارات في الشتاء.
  • المشي لمسافات طويلة مع حمْل حقيبة بها أوزان ثقيلة.
  • ممارسة تمارين الاندفاع والقرفصاء وشد الأرداف.
  • ممارسة تمارين التنفس مع اليوجا.

 

 

 

Livehealthymag.com is for every body and mind in the UAE. This magazine is all about moderation, making small changes, little additions and the odd subtraction.

Search

اشترك في نشرتنا الإخبارية

كن أول من يعلم بأحدث العروض والحملات الترويجية.