الصحية

المنازل الصحية في الدول العربية قد ولى عهدها

“كانت بيوتنا شديدة التناسق و الصحية ، حتى أننا نستطيع سحب غصنًا من سطح المنزل واستخدامه عودًا لتخليل أسناننا”، إنه واحدًا من أفضل التعليقات التي سمعتها من شيوخ إحدى القبائل في أبو ظبي، والذي يتذكر فترة طفولته في منطقة العريش – والمنزل التقليدي المصنوع من سعف النخيل.

وبعد برهة من الصمت والتفكير فيما قاله هذا الشيخ، هناك سؤال يطرح نفسه، وهو: هل في منزلك الآن أي شيء يمكنك أخذه ومجرد مضغه؟

وحتى أوائل القرن العشرين، كانت المنازل القديمة في منطقة الخليج، وعدة أماكن في منطقة الشرق الأوسط، تُبنى باستخدام أي عناصر طبيعية موجودة في بيئة تلك المناطق.

وبناءً على المكان، كانت المنازل تُبنى من الطوب الطيني والطفل والمرجان وصدف البحر والصخور الطبيعية والحصى وكذلك الأوراق المجففة والشجيرات والخشب، بما في ذلك ألواح المنجروف وأجزاء من أشجار النخيل. وكان الهدف الإستراتيجي من بناء نوافذ التهوية وأبراج الرياح المعروفة باسم “البراجيل” والتي تؤدي نفس وظيفة نظام تكييف الهواء، هو المحافظة على برودة المنزل وتهويته.

وهناك أيضًا تحديات في أسلوب الحياة قديمًا، ومنها الافتقار إلى السباكة الحديثة والمراحيض. ورغم ذلك، كان من النادر أن تجد عفنًا في نظام التهوية التقليدية – وهي سمة واضحة لأنظمة تكييف الهواء الحديثة إذا لم يتم تعقيمها بانتظام وتنظيفها بشكل صحيح.

ويمكن إلقاء نظرة على الفتحات الموجودة في المصاعد، سواء في مبنى العمل أو في المنزل، وحساب عدد المرات التي سنجد فيها عفن وأوساخ داخل تلك الفتحات.

ولك أن تتخيل عدد المرات التي يستنشق فيها الناس هذه الجسيمات يوميًا.

متلازمة المباني المريضة – وتُعرف أيضًا بمتلازمة المنازل المريضة – هي مصطلح يصف الحالة التي يشعر فيها بعض أو جميع من في المبنى، سواء مبنى العمل أو المنزل، بتأثيرات صحية غير محددة مثل صداع؛ ودوخة؛ وغثيان؛ وتهييج بالأعين أو الأنف أو الحلق؛ وسعال جاف؛ أو تهيج الجلد. وقد تكمن تلك التأثيرات في جزء من المبنى، أو توجد في المبنى بأكمله، وعادة ما يُفترض أنها ناجمة عن رداءة التهوية داخل المبنى، أو عن وجود مواد سامة.

وتتناول الصحافة في دولة الإمارات العربية المتحدة بانتظام قصصًا لأخصائيين طبيين يقولون فيها أن العشرات من موظفي المكاتب يزورون العيادات كل شهر، ويشكون من الصداع، والتهاب الحلق، وحكة في العينين، وصعوبات التنفس، وشكاوى جلدية. وشخص المتخصصون هذه الأعراض على أنها مرتبطة بمتلازمة المبنى المريض. الحياة الصحية ليست جزء من حياة الناس.

وتشتمل معظم الأبنية على مركبات عضوية متطايرة ومخفية على المدى الطويل – وهي مواد كيميائية تنبعث من الغازات الناتجة عن الدهانات والسجاد ومزيلات الروائح الكريهة للمراحيض والنفتالين، ومنتجات رذاذ الأيروسول كمثبتات الشعر وكريمات “Sunscreen” الواقية من الشمس، كلورين التبييض والمنظفات والشموع الرخيصة وطابعات الليزر وآلات النسخ.

والقائمة تطول. وقد تؤدي هذه المواد إلى تهيج العين والأنف والحلق، وإتلاف الجهاز العصبي المركزي وغيره من أعضاء الجسم، بل أنها قد تُسبب السرطان. وقد يحدث تلوث للهواء داخل الأبنية بسبب الأتربة، والرصاص الناتج عن طلاء الجدران، والفورمالديهايد “الميثانال” الناتج عن منتجات الخشب المضغوط ومصادر الاحتراق، والمواد الكيميائية الموجودة في الستائر – سواء المصنوعة من القماش أو الموجودة في الحمام – وحتى الملابس.

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، هناك “3,8” مليون حالة وفاة مبكرة كل عام بسبب الأمراض المزمنة مثل السكتة الدماغية، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، وسرطان الرئة، وترتبط تلك الأمراض بالتعرض للهواء الملوث داخل المنزل.

ولم يطرأ أي جديد بخصوص هذا الموضوع، وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت عن هذه المتلازمة لأول مرة في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وتواصل الآن إصدار تقارير منتظمة حول هذه المشكلة.

وفي مجمل القول، يعود ظهور متلازمة المبنى المريض في منتصف سبعينات القرن الماضي في بعض الأحيان إلى انخفاض معايير التهوية في المباني التجارية من أجل زيادة كفاءة الطاقة، وذلك في أعقاب حظر النفط العربي في عام 1973، وكان ذلك بعدما أعلنت الدول المنتجة للنفط مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية عن مقاطعتها للولايات المتحدة بعد إعلانها إرسال مليارات الدولارات كمساعدات لإسرائيل.

وتطبق دولة الإمارات العربية المتحدة المزيد من الخيارات وممارسات البناء الصديقة للبيئة، مثل المدينة المستدامة في دبي، ومدينة مصدر في أبو ظبي، وهي واحدة من أوائل المجتمعات الحضرية المستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

غير أن هذا النوع من المدن ليس شائعًا في دولة الإمارات العربية المتحدة.

لقد تذكرت هذه المتلازمة كلما أتت أمي – والتي تعاني من سرطان العظام وسريعة التأثر بكل شيء تقريبًا – لزيارتي في دبي.

وبسبب عطسها، والطفح الجلدي الذي تعاني منه، والدوار الذي شعرت به أمي في شقتي، التفت لأشياء في المنزل لم الق لها بالا. ولذلك بدأت فحص كل شيء واحدا تلو الآخر.

وبينما كنت أستخدم بشكل أساسي منتجات التنظيف الخالية من المواد الكيميائية، اكتشفت مؤخرا العديد من المشكلات: تلك الشموع الطبيعية بها مواد كيميائية غريبة لم أكن أفهمها؛ ولم يكن الكرسي الذي كنت جالسًا عليه مصنوعًا من خشب حقيقي، ولكنه “معالج كيميائيًا” – وهذا التنويه مدون على الكرسي بخط صغير بدون ذكر أي تفاصيل أخرى.

لم تكن إزالة السموم من منزلي أمرًا مثيرًا للدهشة فحسب، بل كان أيضًا عبئًا ماليًا، لأن استبدال أغلب العناصر والتي تحتوي على مواد كيميائية بأخرى صديقة للبيئة كان أمرًا مكلفًا. ومتى سينتهي هذا الأمر؟ فهل أعرف نوع الطلاء الموجود على الجدران؟ أما ماذا عن سيراميك الأرضية؟، وهل يجب أن تحتوي الأبواب “الخشبية” داخل المنزل، والتي لم تفقد بريقها قط، على شيء ما، أم ماذا؟. إن أواني الطهي – حتى الأواني الصحية منها- مدون عليها تواريخ انتهاء صلاحية وربما لا نلتفت له.

وحتى مع وجود مرشح للمياه، فإن مياه الحمام تصيب بشرة والدتي بالتهييج.

وهكذا، تصبح والدتي، عن غير قصد، المرشح والرادار الخاص بي.

هل يعرف أحدنا من أي شيء تُصنع ملابسنا؟ قبل فترة قصيرة، كنت أنظر إلى أغطيتي وملابسي، وحتى حذائي. لقد اشتريت القطن العضوي والأغطية المصنوعة من نبات الخيزران، والتي اتضح أنها ناعمة ومثالية لأمي.

ورغم وجود حملات توعية كبيرة بشأن الأنظمة الغذائية الصحية ، والمكياج والكريمات النباتية التي لا تسبب أي أضرار للبشرة، فما زال لا تتوافر لدينا معلومات كثيرة حول الأشياء اليومية التي نستخدمها في منازلنا.

 

ولكل مكان تأثيره الجسدي والنفسي على الإنسان. وأشعر بالسعادة بسبب الإقبال على دراسة علم النفس البيئي، والهندسة العضوية المستدامة، والهندسة المعمارية.

ومع الكثير من الأبحاث التي أجريتها، أصبحت على دراية بأن أجهزة التوجيه اللاسلكية، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، وبعض المصابيح، فضلاً عن المواد الكيميائية المستخدمة في السيارات – وبخاصة بعد الصيانة – ما هي إلا مجرد بعض الأشياء التي تجعل صحتنا في أدنى مستوياتها.

وكان البحث عن خيارات بديلة ميسورة التكلفة للمنزل بأكمله أحد التحديات الكبيرة في دبي – حيث لا يوجد متجر شامل لكل خيارات المنزل.

وربما يكون هذا السبب في أن الناس يختارون سهولة الوصول إلى تلك الخيارات وقلة تكلفتها، بدون أدنى تفكير في تأثيرها على المدى الطويل.

ولأنه حتى وإن تم الإعلان عن منتج ما على أنه “خالي من المواد الحافظة”، فسأبقى منتبهة لاثنين أو ثلاث من المواد الكيميائية الغريبة والتي اضطررت إلى البحث عنها دون معرفة أي شيء عنها.

وبجانب ما يوجد في منازلنا، وما نرتديه ونأكله، وكيف نأكله وما نرتديه – هناك نقاش مستفيض حول استخدام الهواتف المحمولة وتأثيرها على صحتنا.

ورغم التقارير والمزاعم التي تقول بأن ما يوجد في منازلنا يسبب السرطان ويؤثر على حياتنا، فانه من المتوقع أن تُجرى أبحاث بشأن الصناعات باهظة التكلفة لإثبات عكس ذلك.

وفي عام 1602، نشر مؤلف إنجليزي مجهول الاسم مقالًا بعنوان “عمل منظفي المداخن”، وفيه أشار إلى أن الأمراض التي غالبًا ما تصيب منظفي المداخن كان سببها “السخام”، وأن التبغ قد يكون له آثار مماثلة، مما يجعله أقدم اقتراح مكتوب يشير إلى أن التدخين يمكن أن يرتبط بالأمراض الصحية.

وهناك تقارير أخرى، فخلال العشرينات من القرن العشرين، كان أول ظهور للتقارير الطبية التي تربط التدخين بسرطان الرئة. غير أن معظم محرري الصحف رفضوا نشر هذه النتائج، لأنهم لا يريدون الإساءة إلى شركات التبغ التي تعلن عن منتجها بكثافة في وسائل الإعلام.

وفي عالم 1985، ظهرت أخيرًا الملصقات التي تحذر من المخاطر الصحية للتدخين، وذلك بعد مقاومة شديدة وحملات مكثفة من أباطرة التبغ الأثرياء، حتى أن الرؤساء تجنبوا مواجهة تلك الشركات. ومن المثير للاهتمام معرفة متى أو هل ظهرت علامة تحذير من المخاطر الصحية للتدخين على الهاتف المحمول.

وحتى ذلك الحين، سيكون من الأفضل لنا التفكر للحظة في محيط منزلنا ومكان عملنا. ويقضي الكثير منا معظم وقته متنقلاً ما بين بعض الأبنية وسيارته – فإذا كنت تعاني من مشاكل أو تشعر بأعراض لا يمكنك تفسيرها، فستجد الحل في البيئة التي تعيش فيها، أو يكفيك فقط اعتبار أن تلك البيئة هي عامل الوقاية من تلك الأعراض التي تشعر بها.

وكما يقول المثل العربي القديم: “الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى”.

 

Livehealthymag.com is for every body and mind in the UAE. This magazine is all about moderation, making small changes, little additions and the odd subtraction.

Search

اشترك في نشرتنا الإخبارية

كن أول من يعلم بأحدث العروض والحملات الترويجية.