تعمَد دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الارتقاء بالصحة والعافية في مكان العمل إلى مستوى افضل وفقًا لمعايير معهد ويل للأبنية، وذلك بهدف تعزيز أداء الموظفين في أماكن العمل، بدءًا من الهواء الذي يتنفسونه وصولًا إلى المكاتب التي يجلسون عليها.
تقول آن ماري أجيلار، مديرة العمليات الأوروبية في معهد ويل الدولي للأبنية في نيويورك “تُبدي الشركات اهتمامًا خاصًا باستراتيجيات الصحة والعافية في مكان العمل، مثل وضع برامج التغذية، والتركيز على الإقلاع عن التدخين، ومنح عضويات صالات الألعاب الرياضية، ولكنّ هذه الاستراتيجيات لم تنجح”. “لذا كان أول شيء يجب البدء به هو أنّه يجب توفير بيئات صحية، فلا يمكن تشجيع المرء على الاهتمام بحالته الصحية، بل يمكنك توفير مساحة عمل كافية يقضي فيها أكثر من 90% من الموظفين أوقاتهم داخل البنايات، وذلك بدوره يعزز الصحة”.
كانت كيفية البدء هي موضوع ورشة عمل حول “معايير ويل للأبنية” في دبي، التي نظّمها مجلس الإمارات للأبنية الخضراء بالتعاون مع معهد ويل الدولي للأبنية، لإلقاء الضوء على أهمية تحسين التصاميم والعمليات التشغيلية والسلوكية ضمن مساحات البناء للحفاظ على صحة الموظفين داخل الأبنية وتحسين الأداء الوظيفي لديهم. ترمي معايير ويل للأبنية إلى تزويد المهندسين المعماريين والمهندسين وموظفي الموارد البشرية والشركات العقارية بالأدوات اللازمة لتصميم بناية تتميز ببيئة صحية.
يتبلور الهدف الأسمى من ذلك في وضع معايير أعلى لجودة الهواء باستخدام مرشّحات العوادم المناسبة وتحسين تجهيزات الإضاءة الاصطناعية للحد من أثرها السلبي في أنظمة العمل الليلية النهارية في البنايات، حتى يتسنى للموظفين أن ينالوا قسطًا كافيًا وصحيًا من النوم في منازلهم في مقابل الوقت الذي يقضونه في العمل. كما أوضحت آن “نحن نهتم بتركيب تجهيزات إضاءة معينة تسمح بتعديل توازن الهرمونات في الجسم”، بالإضافة إلى عامل تحسين التغذية في أي طعام يتم توفيره في العمل، والحركة أيضًا.
بالنسبة إلى موظفي مكاتب الاستقبال، كان الإطلال على الأماكن الموجودة خارج البنايات واستخدام النباتات والمواد الطبيعية وتحسين أداء الأنظمة الصوتية يمثّل وسائل حيوية لتعزيز الحالة الذهنية أثناء العمل، كما أنّ لها تأثير إيجابي في شعور الناس بالصحة والعافية في حياتهم بوجه عام.
أضافت آن “إذا كان بإمكانك تصميم مكان يحتوي على كل هذه الميزات الداخلية، فلن يضطر أي شخص في هذا المكان إلى الاشتراك في برامج الصحة والعافية، لأنه يعيشها كل يوم”. “فالأمر كله يتعلق بالتوعية ومدى استفادة الموظفين من هذه الميزات”. اعتاد الموظفون في منطقة الخليج منذ فترة طويلة على العمل في بيئات عبوس تفتقر إلى الهواء الصحي وخيارات الطعام الصحي والمياه الصحية.
على الرغم مما تشهده الشركات من تحوّل في هذا الشأن، فإنها تبطئ في وضع برامج الصحة والعافية لموظفيها. تقول آن “إن الشركات جادة في هذا الأمر في الوقت الحالي، نظرًا للتكلفة الهائلة التي تتكبّدها هذه الشركات والخسائر الفادحة التي تلحق بها نتيجة سوء الحالة الصحية للموظفين، بل إنها تؤثر في الأداء الاقتصادي للشركات والبلدان بوجه عام”. “يصبح مكان العمل مكانًا مثاليًا يمكن من خلاله استقطاب المواهب الفذة عند إحداث أثر صحي أفضل فيه وتوفير مساحة عمل أكبر تتضمن كل هذه المميزات والتي يمكن من خلالها جذب هذه المواهب بسهولة”.
حتى الآن، تم التوقيع على تنفيذ 18 مشروعًا لتنفيذ التصميم الجديد في دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب ثلاثة مشاريع في قطر ومصر والكويت. يمثّل مشروع District 2020 مقراً عملاقاً من المقرر أن ينعقد فيه معرض “إكسبو” في العام 2020، وهو أول مجتمع مكتمل يُبنى بمعايير معهد ويل في الشرق الأوسط. وأردفت آن “إن الإمارات العربية المتحدة تدرك هذه الخطوة المهمة نحو كل ما يعزز الصحة والعافية في أماكن العمل والبنايات السكنية والتعليمية، وهي تحاول التركيز أكثر على صحة الإنسان في البنايات”.
أمّا بالنسبة لفرح ياسين، استشاري الاستدامة الرئيسية لفريق إدارة الموارد المستدامة في شركة “دبليو إس بي الشرق الأوسط”، تمثّل جودة الهواء وصحة الجهاز التنفسي واحدة من العوامل في البنايات الإدارية في الشرق الأوسط. حيث قالت “إذا تركت الهواء الطبيعي يدخل إلى مكيف الهواء، فسيكون هناك الكثير من الطاقة المرتبطة بتبريده وتنظيفه”. “ولهذا السبب، ليس لدينا الكثير من الهواء النقي داخل البنايات، وذلك يؤدي إلى ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون والمركبّات العضوية المتطايرة، مما يجعل الناس يشعرون بالدوار، وهذا ينعكس في الدراسات – وخاصة في المدارس – التي تُجرى على سوء جودة الهواء الداخلي ومن ثم لا يستطيع الأطفال التركيز في الفصول في البنايات التعليمية”.
على الرغم من أن دبي تسير على الطريق الصحيح، فلا تزال هناك حاجة إلى زيادة المعايير المتعلقة بالصحة والعافية. “تحرص الإمارات العربية المتحدة على سنّ قوانين الصحة والرفاهية مما يجعلها تتصدر الطليعة في هذا المجال”. “تعتبر أماكن العمل المشتركة خيارًا جيدًا أيضًا، ونحن نعمل على تصميمها لتناسب العاملين الآن، ولكن يجب أن نفكر في المستقبل أيضًا”.
وفقًا لسعيد العبار، رئيس مجلس إدارة مجلس الإمارات للأبنية الخضراء (الإمارات GBC)، فإن قيمة البنايات التي يعيش فيها الناس بصحة جيدة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بعافية المقيمين في هذه البنايات وصحتهم. وتابَع قائلًا ” تتضمن الحياة المستدامة هذا الجانب الحيوي أيضًا؛ إذ يجري تصميم بنايات ومساحات عامة وصيانتها من أجل تعزيز صحة الناس ورفاهيتهم”. “وانطلاقًا من تركيز الإمارات العربية المتحدة على خلق بيئات خضراء لتحقيق رؤيتها للتنمية المستدامة، فإن دمج معايير الصحة والعافية يضفي قيمة إضافية للبنايات وصحة شاغليها وعافيتهم”.
