tolerance bridge Dubai

التسامح يوحّد البشر ومجتمعاتهم

رغم قلة ما نعرفه عن الجالية المسيحية التي استوطنت جزيرة بني ياس قِبالة سواحل أبو ظبي في القرن السابع، إلا إنها ظلت تتعايش مع جيرانها المُسلمين على مدار قرن من الزمان أو أكثر، حتى مع انتشار الإسلام بجميع أنحاء شبه الجزيرة العربية.

إلا أنه وفي أعقاب افتتاح الموقع الأثري لكنيسة تلك الجالية وديرها للجمهور، فقد صار جليًا أنه ينبغي اعتبار تلك البقايا الأثرية التي يبلغ عمرها 1400 عامًا بمثابة الأُسس الرمزية للتجربة الاستثنائية للوئام بين الأديان في القرن الحادي والعشرين، وليست مُجرد  أطلال عام التسامح بدولة الإمارات العربية المُتحدة، وخاصة خلال هذا العام، عام التسامح بدولة الإمارات العربية المُتحدة.

لطالما كان التسامح هو شعار دولة الإمارات العربية المُتحدة، فهي أُمة كانت تقع في مُفترق الطرق التجارية منذ قديم الزمان، وهي اليوم موطن لأكثر من 200 جنسية مُختلفة، يعيش أصحابها جنبًا إلى جنب في وئام، ويعملون ويتمتعون بحرية العبادة.

لم ينطوِ الأمر هنا على إبداء التسامح إزاء جميع الأديان فقط، بل كان هناك حرص دائم على دعمهم أيضًا- فبالإضافة إلى العديد من المساجد، يوجد ما يربو على 40 كنيسة، ومعبد للسيخ، ومزارين هندوسيين ومعبد يهودي – وقد أُقيمت كنيسة سانت جوزيف الكاثوليكية الأصلية في أبو ظبي عام 1963 على قطعة أرض تبرع بها الشيخ شخبوط. وبعد أن هُدمَت تلك الكنيسة عام 1983، حلت محلها الكنيسة الحالية المُقامة على قطعة الأرض التي منحها الشيخ زايد بالمُشرف لهذا الغرض.

استمر التسامح الديني جزءًا أساسيًا من الحياة في دولة الإمارات العربية المُتحدة لفترة طويلة، حتى صار من السهل اعتباره أمرًا مُسلمًا به. وبالفعل، في يوم الأحد الماضي، استطاعت الدولة أخيرًا أن تُضفي الطابع الرسمي على العلاقة التي استمرت بسلاسة على نحو غير رسمي لعقود، بعد أن حصل أكثر من 18 مكانًا للعبادة لغير المُسلمين على شرعية وضعهم القانوني وخضعت لحماية الدولة رسميًا.

وقد وصف رئيس كهنة أول معبد هندوسي بالإمارات العربية المُتحدة، البوجيا براهمافياري سوامي، هذا الإجراء بقوله: “إنها خُطوة رائعة، ودليل هام للعالم بأسره يُشير إلى أن الشمولية العالمية هي السبيل الأمثل نحو تقدم الإنسانية”.

بينما قال بيشوي صليب، من كاتدرائية الأنبا أنطونيوس القبطية الأرثوذكسية في أبو ظبي: “نجني الآن ثمار [التسامح والقبول] التي زرعها الشيخ زايد. لطالما كان مُعترفًا بنا في القلب، ولكن الآن، صار الأمر رسميًا أيضًا”.

لم يقتصر دور عام التسامح على تسليط الضوء على هذا الرباط المميز الذي يدل على مشاعر الاحترام المُتبادلة والمُتأصلة في نسيج الشعب الإماراتي فقط، بل قدم أيضًا للآخرين نموذجًا يُحتذى به في عالم في أمس الحاجة لمشاعر التعاطف الإنساني والتفاهم بين الأديان.

بعد زيارة البابا فرانسيس غير المسبوقة لدولة الإمارات العربية في شهر فبراير، التي امتدت ثلاثة أيام، حيث أنه أول بابا يزور منطقة الخليج. دعا البابا في صلاته لدى عودته إلى روما: “عسى أن ينتج عن بذور التسامح المزروعة هنا ثمار السلام”.

ويبدو أن دُعاء البابا قد تحقق، فشجرة الغاف المُتواضعة هي شعار عام التسامح. وقع الاختيار على الشجرة الوطنية لدولة الإمارات العربية المُتحدة لأنها وفقًا لقول الشيخ مُحمد بن راشد، حاكم دُبي: “ظلت رمزًا للحياة وعنوان الاستقرار في الصحراء على مدار أجيال لا حصر لها”.

والآن، انبثقت من رحم تلك الصحراء التي تبدو قاحلة تلك الحركة التي تؤكد على أهمية الحياة، واختصت بالاحتفاء بالقواسم الأساسية المُشتركة بين البشر وتعزيزها.

في ذات السياق، وقّع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أثناء وجوده في أبو ظبي، مع البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، وثيقة “وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك”، في بيان يهدف إلى “الدعوةً للمُصالَحة والتَّآخِي بين جميعِ المُؤمِنين بالأديانِ”.

افتتحت الوثيقة ببيان بسيط يصلح لأن يكون شعارًا للإمارات العربية المتحدة مفاده: “يحملُ الإيمانُ المؤمنَ على أن يَرَى في الآخَر أخًا له، عليه أن يُؤازرَه ويُحبَّه”.

في أعقاب زيارة البابا، عمِدت الإمارات العربية المتحدة إلى تشكيل اللجنة العليا للإخاء الإنساني، وهي اللجنة المنوطة بتحقيق أهداف هذه الوثيقة التاريخية، ومن الإنصاف القول إنها كانت حريصة على تحقيق تلك الأهداف.

في الأسبوع الماضي في نيويورك، في إطار انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، كُشِف النقاب عن بعض الخطط الرامية إلى إقامة «بيت العائلة الإبراهيمية»، وهو مُجمع أديان من المُزمع بناؤه على جزيرة السعديات، وسيضم مسجدًا وكنيسة ومعبدًا يهوديًا حول حديقة مركزية.

وليس من قبيل المصادفة أن يُقام هذا الشاهد المُذهل على السلام والتفاهم بالقرب من متحف اللوفر في أبو ظبي، موطن الكنوز التي تعكس أفضل ما في الإنسانية عبر مجموعة متنوعة من الثقافات والعصور، ومتحف زايد الوطني، الذي يروي قصة رحلة دولة الإمارات العربية المتحدة من الماضي العتيق حتى اليوم.

يقول محمد خليفة المبارك، رئيس مجلس إدارة دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة وعضو اللجنة العليا، في معرض كشف النقاب عن هذه الخطط: “في عالم لم يكن متصلًا إلى هذا الحد من ذي قبل، إلا أننا  صرنا في الواقع منفصلين، ولكن المشاريع والمبادرات من قبيل بيت العائلة الإبراهيمية – فضلًا عن المزيد منها في المستقبل وفقًا لقرارات المجلس في هذا الشأن – من شأنها أن تجمع الناس سويًا”. وعلى جزيرة السعدياتأضاف قائلا: “نحن نبني مكانًا يمكن للناس فيه أن يُمارسوا شعائرهم الدينية بحرية ويتعلموا من بعضهم البعض”.

لم تكن رسالة قبول جميع المعتقدات موجهة لمواطني دولة الإمارات والمنطقة فحسب، بل لملايين السياح الذين يأتون إلى أبوظبي – والذي سيرون رسالة الحب والأمل تشع في آفاق البلاد.

اتسع نطاق هذه الرسالة وانتشرت هذا الأسبوع على ألسنة الزعماء الدينيين في الإمارات العربية المتحدة ونُشرت على موقع يوتيوب وعبر وسائل التواصل الاجتماعي في مقطع فيديو أعدته اللجنة الوطنية العُليا لعام التسامح.

يقول أحدهم “يوحد التسامح بين البشر ومجتمعاتهم بروابط قوية قائمة على الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والمعاملة العادلة، بصرف النظر عن معتقداتهم وانتماءاتهم العرقية”.

ويقول آخر: “يُعد عام التسامح بمثابة دعوة لنا جميعًا، لنعيش إيماننا ليس عبر الإيمان والعقيدة فحسب، ولكن من خلال تطبيقه؛ لنجني ما غرسناه، ونفعل الخير للآخرين”.

ويقول ثالث “إن ما يجري إرساؤه في الإمارات العربية المتحدة هو أفضل أنواع لم شمل الأسرة”، وفرصة مناسبة: “فدعونا لا نضيع الفرصة ولا نفوّت هذه اللحظة الرائعة”.

جاءت تلك التصريحات على ألسنة رجال دين من الديانات الإبراهيمية الثلاثة، الذين ستقف منازل عبادتهم جنبًا إلى جنب في السعديات.

في إطار روح عام التسامح والأحداث البارزة التي ألهمتها، بعيدًا عن أي شيء قيل غير ذي صلة – فهذه هي كلمات الإيمان الخالص، التي تتحدث بصوت واحد للإشادة بمبادرة تتميز بقدرتها على تغيير المفاهيم والعقول في جميع أنحاء العالم.

 

 

 

 

 

Livehealthymag.com is for every body and mind in the UAE. This magazine is all about moderation, making small changes, little additions and the odd subtraction.

Search

اشترك في نشرتنا الإخبارية

كن أول من يعلم بأحدث العروض والحملات الترويجية.