قد يبدو الأمر غريبًا عند الحديث عن “الهوجاه” في شهر أغسطس في أبوظبي، ورغم ذلك، سنتناول هذا الأمر.
تُنطق الكلمة بـ“هوجاه“، وهي كلمة دنماركية تحمل في نطقها معنى المرح، وتشمل الكلمة الشعور الجارف بالألفة والسعادة. وعلى الرغم من أن الكثير من الناس يفكرون في الدفء عند سماع تلك الكلمة، ففي واقع الأمر يمكن تحقيق مفهوم “الهوجاه” عبر العديد من الأنشطة، كما أنه يهدف إلى تحقيق المفهوم الشامل للرضا. إذًا، لماذا نتناول موضوع “الهوجا” حاليًا، رغم أننا نهتم بقضاء بالكاد بقضاء بضع دقائق في المناخ الحار؟، وتعود الإجابة تحديدًا إلى أن كلمة “هوجاه” نشأت أساسًا في الدنمارك وباقي الدول الإسكندنافية كوسيلة لمجابهة الشتاء القارص داخل منازلهم، لاحظ أنهم لا يتمكنون فعليًا من الخروج منها، ولهذا صارت كلمة “هوجاه” أسلوب حياة، والاتجاه السائد بالديكور المنزلي في جميع أنحاء العالم – حتى في البلدان التي لا تشهد تساقط الثلوج مطلقًا.
فما هي “الهوجاه“؟
يشير الخبير في هذا الشأن “ميك ويكنج“، الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لمركز أبحاث السعادة، ومؤلف كتاب [الكتاب المبسط عن “الهوجاه] “The Little Book of Hygge” من خلال هذا الكتاب إلى أن “الهوجاه” تدور حول الأجواء والتجربة وليس حول الأشياء.
بل أن الكتاب يشير أيضًا إلى وجود إشكالية في ترجمة كلمة “هوجاه” إلى كلمة “الراحة” باللغة الإنجليزية، لأن الترجمة تفرغ الكلمة من جميع المعاني المرتبطة بها في اللغة الدنماركية.
يتفق “كين” نيلسين” الدنماركي الذي يعيش بدولة الإمارات العربية المتحدة منذ خمس سنوات، والذي يشغل منصب مدير مركز الكتابة بجامعة نيويورك في أبو ظبي مع نفس الرأي.
يوضح “كين قائلاً: “الهوجاه هي حالة وجودية، فهي أسلوب للحياة بين الناس. فعبارة مثل “لماذا لا تأتِ يوم الثلاثاء لتناول العشاء، سيكون الأمر ممتعًا” لا تُشير إلى مجرد الإحساس بالراحة ولكنها تُشير أسلوب الحياة بين الناس والتقارب بينهم وبين البعض ومع المجتمع بأسره“.
“الهوجاه” كمشاعر
وفي وصف الأشياء “بالهوجاه“، يلقي “كين” الضوء على أحد الجوانب الهامة “للهوجاه” في بناء العلاقات بين الناس. حيث تستعين العديد من الدول بكلمات للتعبير عن “الدفء والراحة والألفة“. وما تُعبر عنه اللغة الإنجليزية في ثلاث كلمات، تُعبر عنه كلمة واحدة فقط باللغة الدنماركية.
تأثرت شركة “Live Loud Girl”، وهي شركة أسستها “ليندا ديكرز في دبي ولديها فريق مُبدع، إلى حد كبير بالأسلوب الإسكندنافي في مشاريعهم الخاصة بتصميم المنازل، ويعود الفضل في ذلك إلى السيدة “ديكرز” ذات الأصول الهولندية. وتقول “ديكرز: “تُستخدم “الهوجاه” عند اعتراف المرء بأنه يشعر بالراحة، أو البهجة، أو الخصوصية. وبالنسبة لنا، تشير كلمة “الهوجاه” إلى توفير مكان لكي يعبر المرء فيه عن نفسه، ويقضي فيه بعض الوقت مع العائلة والأصدقاء“.
لذا فإن “الهوجاه” شعور يتجاوز التفاعل الفوري مع شخص ما، أو مع المكان الذي يوجد فيه المرء. وتصف كلمة “الهوجاه” نتيجة الانخراط في الأنشطة التي تثري الروح والجسد بطرق تتسم بالهدوء.
ويضيف نيلسن: “لست متأكدًا من أن أحدًا يمكنه ترجمة شيء عابر مثل “الهوجاه” أو تحويلها إلى كتب إرشادية“.
العلاقة بين “ماري كوند” و“الهوجاه“
يطرح أسلوب “ماري كوندو“ التي تحمل العلامة التجارية “KonMari” في إعادة ترتيب المنازل سؤالًا هامًا، وهو: “هل يشعر المرء بالسعادة بما لديه؟
وعل الرغم من تشابه “الهوجاه” مع الأفكار التي تبحث عن السعادة والفرح، إلا أن منهج “الهوجاه” أكثر تسامحًا.
وتقول “ديكرز“: “ينصب تركيز التصميم الإسكندنافي بدرجة كبيرة على إقامة مكان جميل يتميز بألوانه ومواده الطبيعية، فضلاً عن أثاثه العملي. ويتلخص فكر “ماري كوندو” في أنه يجب على المرء التخلص من الأشياء المادية التي لا تجلب له السعادة في الحياة. وعلى الرغم من أن هذا يعني في كثير من الأحيان إعادة ترتيب المنزل، إلا أن الأمر مختلف من وجهة نظر التصميم الإسكندنافي“.
يعتمد منهجهم في التصميم على ماهية المشاعر التي يرغبون في أن يثيرها المكان.
وتقول “ديكرز“: “نؤمن بشدة أن حالة المرء المزاجية تتأثر بالمكان الذي يعيش فيه“. “ونفضل أن نبدأ بخلفية نظيفة، وأقمشة بيضاء، ثم نضيف العناصر التي تجعلنا سعداء، أو بالأحرى تجعل العميل. لقد صممنا غرفًا للأطفال، وغرف نوم رئيسية، ومنازل بأكملها، وغرف فندقية، ومع كل مشروع نبدأ فيه بتصميم لوحة الإلهام والتي تعبر عن “الشعور” الذي نريد تحقيقه. يجب أن تبعث غرف اللعب على الإبداع والضحك، ويجب أن تكون غرف النوم الرئيسية هادئة لقضاء ليالي طويلة وجميلة.”
ولأن نهجها أكثر تسامحًا، تسمح “الهوجاه” بالترف في بعض الأحيان.
ويقول نيلسن: “أعتقد أن تقديم الرعاية الذاتية والوعي وطهو الطعام للمقربين لك اجتماعيًا سيجعلك أكثر سعادة، ولا أعتقد أن اختيار بطانيات الصوف الناعمة والشموع والنباتات المنزلية والشاي في حد ذاتها سيجعلك كذلك. حسنًا، سأتراجع عن هذا الرأي، وأقول إن الشاي قد يمنحك السعادة في أي وقت“.
“الهوجاه” في المناخ الحار
قد يكون الشتاء في الدول الإسكندنافية قارصًا ولا يرحم، بيد أن دولة الإمارات العربية المتحدة لديها نصيبها من أشهر الصيف القاسية، والتي تدفع الناس إلى البقاء داخل المباني من أجل الاستمتاع بمكيف الهواء. وبالرغم من أن الأشهر الأساسية لتطبيق “الهوجاه” في أي مكان آخر غير دولة الإمارات هي فصول الخريف، إلا أن هناك بعض الطرق للاحتفال بالحياة باستخدام “الهوجاه” في خضم شهور الصيف في دولة الإمارات العربية المتحدة.
فكر في الملابس والأقمشة الخفيفة التي تمنحك حرية الحركة وخفة الوزن، وفكر أيضًا في استخدام عطور برائحة الأوكالبتوس والخزامى، لأنها تساعد على الاسترخاء والهدوء.
استغل أشهر الصيف الرائعة بقضائها خارج المنزل مع الأصدقاء والعائلة. قد يكون الأمر بسيطًا مثل الخروج في نزهة وتناول الطعام. شارك الناس الطعام وتحمل المسؤوليات. ويمكن أن تُقيم حفل شواء “باربكيو: حيث إن الدفء المنبعث من جمر الشواء مع تناول مشروب بارد ليس بعيدًا عن “الهوجاه“.
وحتى في أشهر الصيف، يمكنك أن تضيء شمعة وتسترخي مع تناول قدح من الشاي الدافئ (أو يمكنك التماس بعض الدفء تحت بطانية إذا شعرت بالبرد بسبب تكييف الهواء). استغل فصول الصيف الرطبة للإقلاع عن الألعاب المملة القديمة، ونظم ألعاب ليلية.
ويحذر “نيلسن” من أن “الهوجاه” لا يمنح طريقًا فريدًا لتحقيق السعادة.
ويقول “نيلسن“: “أعتقد أن تحقيق “الهوجاه” يكون نتيجة الشعور بالأمان والقناعة، وليس استحضار المشاعر سالفة الذكر“.
ويضيف “نيلسن” قائلاً، إن بيت القصيد هو أنه من الممكن ممارسة “الهوجاه” في أي مكان وفي أي وقت – حتى خلال فصل الصيف في دولة الإمارات العربية المتحدة – لأن ممارسة “الهوجاه” تتعلق بإيجاد لحظات من التصميم والعناية والوعي.
ويقول نيلسن أن تلك اللحظات قد تكون عبارة عن “تخصيص وقت كافي لتحضير – على سبيل المثال – العشاء لشخص ما أو لنفسك، أو إعداد طاولة الطعام، أو إضاءة شمعة، أو تشغيل الموسيقى المناسبة، أو أن تشهد تلك اللحظة بنفسك أو مع غيرك“. ويُضيف قائلاً: “إن “الهوجاه” عبارة عن تصرف نابع من الاهتمام“.