يا له من عام استثنائي، كيف تحولت 2020 إلى ما هي عليه الآن. قضينا معظم وقتنا في العزلة الذاتية أو الحجر المنزلي كما يطلق عليه البعض بسبب جائحة كورونا. لذا حان الوقت للتفكير في الأشهر القليلة الماضية وما هي الأفكار والدروس المستفادة منها.
الحياة كلها تكمن بداخلنا
كنت قد خططت لرحلة إلى اليابان هذا الربيع لمهرجان أزهار الكرز ثم أخرى في وقت لاحق من العام لأخذ ابنتي إلى ديزني لاند باريس. كنت قد خططت لجدول عملي ورسمت قائمة بالمهام اللازمة للمضي قدمًا. ثم فجأة تغير العالم ولم يذهب أياً منا إلى أي مكان. كان علي إعادة هيكلة هذا الجدول الزمني. وقررت تقسيم وقتي إلى ثلاثة أقسام: وقت العمل ووقت الأسرة والوقت الخاص بي. حيث أنني أعمل في قطاع الصحة ، أصبحت وظيفتي أكبر وأكثر تحدياً وانشغالًا،كما تغيرت الأولويات أيضاً.
اقترب من عائلتك أكثر
كأم عاملة ، تمنيت لو أتيحت لي الفرصة للعمل عن بعد حتى أتمكن من قضاء المزيد من الوقت مع عائلتي. حسنًا ، حصلت على رغبتي، بشكل غير متوقع ونعم ، لقد جعلتنا أقرب إلى بعضنا البعض. أنا أعيد اكتشاف شخصيات أطفالي. لقد اعتدنا على الانغماس في حياتنا المزدحمة الخاصة بنا ، لكننا نجري الآن محادثات ، نجلس جميعًا لتناول الإفطار معًا ونذهب إلى الفراش في نفس الوقت. لقد فوجئت بكيفية تكيف الصغار بشكل أفضل مع هذا الوضع الجديد. منزلنا يشعر بالسلام والأمن.
لطالما اعتقدت أن الطعام المطبوخ في المنزل هو الأفضل وأن التواجد في المنزل مع العائلة قد أعطاني الفرصة للإبداع في مطبخي، خاصة خلال شهر رمضان المبارك، كما استطعنا السفر حول العالم من خلال الوجبات التي اقوم بتحضيرها.
خلال شهرين لم استطع رؤية والدي، حيث أننا ست أطباء من اسرة واحدة ولا نريد المخاطرة بتعريضهم للفيروس. فاخذت من مقولة جبران خليل جبران البعض “نحبهم لكن لا نقترب منهم فهم في البعد أحلى وهم في البعد أرقى وهم في البعد أغلى”، أي أنه في بعض الأحيان يجب علينا الابتعاد عن الذين نحبهم للحفاظ على سلامتهم ، كما أنني اشعر بالامتنان الدائم لدعاء أمي لي ولأخوتي كل يوم أن يحفظنا من هذا الوباء.
اعتن بنفسك داخليا أولا لتستطيع أن تفيد الآخرين لاحقاً
كونك سعيدًا لا يحدث بالصدفة – إنه قرار نتخذه. بالنسبة لي ، تأتي السعادة من تعلم أشياء جديدة وتعليم ومساعدة الآخرين. كان أحد أهدافي لعام 2020 إعداد دورات تدريبية مختلفة. كوفيد-19 لم يمنعني من القيام بذلك، بصفتي مدرباً في مجال البرمجة اللغوية العصبية، فقد أجريت العديد من الدورات التدريبية عبر الإنترنت حول التنمية الشخصية، كما سُنحت لي فرصة الظهور بصفتي “خبيراً” في العناية بالشعر، حيث قدمت دورة حول العناية بالشعر المجعد.
كشخص رياضي ، كان نقص الحركة يمثل تحدياً لي. كنت أحرص على تخصيص وقت معين للقيام بنشاط أحبه وشاركت النصائح مع بعض الزملاء حول كيفية الحفاظ على لياقتنا البدنية. على سبيل المثال ، نتحدى بعضنا البعض لمعرفة من يتسلق السلالم في يوم واحد. وبما أنني أحب المشاركة في الجري المجتمعي باستمرار فقد استعضت عن ذلك بشراء جهاز مشي حتى أتمكن من الاستمرار في ممارسة رياضتي المفضلة. كما أتوجه بالشكر الجزيل لمؤسسة Sea of Culture Foundation على دروس اليوغا والاسترخاء عبر الإنترنت التي أقوم بممارستها مع ابنتي الصغيرة.
نحن جزء من الكل
كان للتباعد الجسدي تأثير نفسي على الجميع. حيث يشعر البعض بالحزن ، والبعض بالغضب والبعض الآخر قد استسلم للكسل واللامبالاة.. لقد شعرت بذلك أيضاً ، لكن رسم روتين يومي أعطاني هيكلاً وساعدني للتطلع إلى كل يوم جديد.
احدى أجمل الإيجابيات في هذا الفترة هو عودتي لمسك فرشاة الرسم بعد انقطاع دام أربع سنوات. وجدت حريتي في عالم الرسم حيث أحلق بها مسافات بعيدة خارج هذا العالم. بفرشاتي وجدت البهجة و السلام ، اكتشفت أن هذه البهجة أدخلت السرور على متابعيني في مواقع التواصل الاجتماعي وأهلي و أحبتي الذين لا أستطيع رؤيتهم إلا من خلال شاشة الكمبيوتر بل امتد الأثر ليصل إلى أبناء المتابعين الذين أحبوا الرسم وأصبحوا يتواصلون معي برسوماتهم فرحين. أدركت أنه بفرشاتي أستطيع مساعدة الآخرين فليس الطبيب فقط هو الذي يساعد إنما أيضا ريشة الفنان التي ترسم البهجة على وجه الآخرين ليشعروا بالاطمئنان و المحبة، أدرك أنه على الرغم من أنني طبيبة ، يمكنني من خلال لوحتي أن أساعد الناس بطرق غير طبية أيضًا. وهذا يجعلني طبيبا أفضل.
زمن كورونا سيمضي و ستبقى الدروس و الذكريات و العبر التي تعلمناها وسيبقى عملنا الطيب ليترك أثره لمن سيأتي بعدنا .
